للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمّا مذهَبُ الشافعيِّ، وأبي ثَوْرٍ، وأحمدَ في مثلِ هذا الأصْلِ، فالمصِيرُ إلى المُسْنَدِ عندَهم أوْلى من قولِ الصَّاحِبِ، وفَتْوَاه عندَهم - بخلافِ ما رواه - لا حُجَّةَ فيه، وهذا الأصْلُ قد أوضَحْنَاه في غيرِ هذا الموْضِع (١).

وقال بعضُ أهلِ العلم: إنَّ النَّذْرَ الذي كان على أمِّ سَعْدِ بنِ عُبَادَةَ كان عِتْقًا، وكلُّ ما كان في مالِ الإنسانِ واجِبًا فجائِزٌ أن يؤدِّيَه عنه غيرُه. واستدَلَّ قائلُ هذا القول بحديثِ القاسم بنِ محمدٍ، أنَّ سَعْدَ بنَ عُبَادَةَ قال لرسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: إنَّ أمِّي هَلَكَتْ، فهل يَنْفَعُها أن أُعْتِقَ عنها؟ فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "نعم" (٢). قال: فهذا تَفْسِيرُ النَّذْرِ المُجْمَلِ الذي ذكرَه ابنُ عباسٍ في حديثِه.

وقال منهم قائلون: إنّ النَّذْرَ الذي كان على أمِّ سَعْدِ بنِ عُبادَةَ كان صَدَقَةً. ورَوَوْا في ذلك آثارًا قد ذكرْنَا بعْضَها أو أكثرَها في بابِ سعيدِ بنِ عَمْرِو بنِ شُرَحْبِيلَ بنِ سعيدِ بنِ سَعْدِ بنِ عُبادَةَ (٣)، وفي بابِ عبدِ الرحمن بنِ أبي عَمْرَةَ (٤) من كِتابِنا هذا.

وقال آخرون: بل كان نَذْرًا مُطْلَقًا، على ظاهِرِ حديثِ ابنِ عباسٍ. ومن جعلَ


(١) انظر: إجمال الإصابة للعلائي، ص ٩١ - ٩٣.
(٢) أخرجه مالك في الموطأ رواية يحيى (٢٢٦١) وفي رواية أبي مصعب (٢٧٤٠)، ورواية سويد بن سعيد (٤٢٨)، والجوهري في مسند الموطأ (٥٩٤) من روايتي يحيى وأبي مصعب، وقال: ليس هذا الحديث عند القعنبي وهو مرسلٌ. كما أخرجه البيهقي في السنن الكبرى ٦/ ٢٧٩ من طريق ابن بُكير، وقال: هذا مرسلٌ.
وقال ابن عبد البر عن هذا الحديث في التمهيد ٢٠/ ٢٦ باب مالك عن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري: هذا حديث منقطعٌ؛ لأن القاسم لم يلقَ سعدَ بن عبادة، ولكن قصَّه سعد بن عبادة وحديثه في ذلك قد رُوي من وُجوهٍ كثيرة: متصلة ومنقطعة صحاح كلّها.
(٣) ستأتي هذه الآثار في باب السين "حديث سعيد بن عمرو بن شرحبيل" وليس له إلا حديث واحد في الموطأ يرويه سعيد هذا، وهو من ذُرية سعد بن عُبادة، عن أبيه، عن جدّه، عن سعد.
(٤) سيأتي في باب العين، حديث مالك عن عبد الرحمن بن أبي عَمْرة، وهو حديث واحد.

<<  <  ج: ص:  >  >>