للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جمَعَ بين الصَّلاتينِ وهُو نازِلٌ غيرُ سائرٍ، ماكِثٌ في خِبائهِ وفُسْطاطِهِ، يخرُجُ فيُقيمُ الصَّلاةَ، ثُمَّ ينصرِفُ إلى خِبائهِ، ثُمَّ يخرُجُ فيُقيمُها ويجمعُ بين الصَّلاتينِ من غيرِ أن يجِدَّ به السَّيرُ.

وفى هذا الحديثِ أوضحُ الدَّلائلِ، وأقوى الحُجَج، في الرَّدِّ على من قال: لا يجمعُ المُسافِرُ بين الصَّلاتينِ، إلّا إذا جدَّ به السَّيرُ.

واختلفَ الفُقهاءُ في ذلكَ (١)، فرَوَى ابنُ القاسم، عن مالكٍ، وهُو رأيُهُ، قال: لا يجمعُ المُسافِرُ في حَجٍّ أو عُمرةٍ إلّا أن يجِدَّ به السَّيرُ، ويخافَ فَواتَ أمرٍ، فيَجْمع في آخِرِ وقتِ الظُّهرِ، وأوَّلِ وقتِ العَصْرِ، وكذلكَ في المغرِبِ والعشاءِ، إلّا أن يَرْتحِل عِندَ الزَّوالِ، فليَجْمعْ حينئذٍ في المرحلةِ بين الظُّهرِ والعصرِ. ولم يذكُر في العِشاءَينِ الجمعَ عِند الرَّحيلِ أوَّل الوقتِ، قال سحنُونٌ: وهُما كالظُّهرِ والعصر (٢).

وذكر أبو الفَرَج عن مالكٍ، قال: ومن أرادَ الجمعَ بين الصَّلاتينِ، جمعَ بينهُما إن شاءَ في آخِرِ وقتِ الأُولى منهُما، وإن شاءَ في وقتِ الآخِرةِ منهُما، وإن شاءَ أخَّرَ الأُولى فصَلّاها في آخِرِ وَقْتِها، وصلَّى الثّانيةَ في أوَّلِ وَقْتِها. قال: وذلكَ كجَوازِ الجمع بين الظُّهرِ والعصرِ بعَرَفةَ، وبين المغرِبِ والعِشاءِ بالمُزدلِفةِ.

قال أبو الفرج: وأصلُ هذا البابِ الجمعُ بين الظُّهرِ والعَصْرِ بعَرَفةَ، والمغرِبِ والعشاءِ بالمُزدلِفةِ؛ لأنَّ رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - سافَرَ فقَصَرَ وجمع بينهُما كذلك، والجمعُ أيسرُ خطبًا من التَّقصيرِ، فوجَبَ الجمعُ بينهُما في الوقتِ الذي جمَعَ بينهُما فيه رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -.


(١) ينظر: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ١/ ٢٩٢ (٢٥٠)، والآراء المذكورة بعد منه.
(٢) وانظر: الاستذكار ٢/ ٢٠٦. وانظر فيه أيضًا ما بعده.

<<  <  ج: ص:  >  >>