للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك كلُّ ما كان في معْنَى ما جَرَى ذِكرُهُ في هذه الأحاديثِ من الجُزافِ بالكيلِ في الجِنْسِ الواحِدِ المطعُوم، أوِ الرَّطْبِ باليابِسِ من جِنْسِهِ.

وكلُّ ما لا يجُوزُ فيه التَّفاضُلُ، لم يجُز بيعُ بعضهِ ببعضٍ جُزافًا بكيل، ولا جُزافًا بجُزافٍ، لعدَم المُماثلةِ المأمُورِ بها في ذلكَ، ولمُواقَعةِ القِمارِ، وهُو الزَّبنُ، على ما تَقدَّم شرحُهُ في بابِ داود بن الحُصَينِ، ألا ترى أنَّ كل ما وردَ الشَّرعُ بأن لا يُباعَ إلّا مِثلًا بمِثْل، إذا بِيعَ منهُ مجهُولٌ بمَجْهُول، أو معلُومٌ بمَجْهُول، أو رَطْبٌ بيابِسٍ، فقد دخَلَ في ذلك التَّفاضُلُ وجَهْلُ المُماثلةُ، وما جُهِلَتْ حَقِيقةُ المُماثلةِ فيه لم يُؤمَنْ فيه التَّفاضُلُ، فدخلَ في ذلك الرِّبا، لأنَّ الحديث وردَ في مِثلِ ذلكَ: "أنَّ من زادَ، أو ازدادَ، فقد أرْبَى" (١). وفي ذلك قِمارٌ وخَطَرٌ أيضًا.

وهذا كلُّهُ يَقْتضيهِ معْنَى المُزابَنَةِ، فإن وقَعَ البيعُ في شيءٍ من المُزابَنَةِ، فُسِخ إن أُدرِك قبلَ القَبْضِ وبعدهُ، فإن قُبِضَ وفاتَ، رجَعَ صاحِبُ التَّمر بمكيلةِ تمرِهِ (٢) على صاحِبِ الرُّطبِ، ورجَعَ صاحِبُ الرُّطبِ بقيمةِ رُطَبِهِ على صاحِبِ التَّمرِ يومَ قَبَضَه بالغًا ما بلغَ، وما فاتَ (٣) منهُ قبلَ قَبْضِهِ فمُصيبتُهُ من صاحِبِهِ.

وأمّا قولُهُ: "الثَّمَرُ بالتَّمرِ". فإنَّ الرِّوايةَ فيه الكلمةُ الأولى بالثّاءِ المنقُوطةِ بثلاثٍ، مع تحريكِ الميم، وهُو ما في رُؤُوسِ النَّخل رُطبًا، فإذا جُدَّ (٤) ويبِسَ، قيل لهُ: تمرٌ، بالتّاءِ المنقُوطةِ باثنتينِ، مع تسكينِ الميم.


(١) أخرجه أحمد في مسنده ١٨/ ٤٦، ١١١، ١٧٩, ٤١٥ (١١٤٦٦، ١١٥٥٦، ١١٦٣٥، ١١٩٢٨)، ومسلم (١٥٨٤)، والنسائي في المجتبى ٧/ ٢٧٧، وفي الكبرى ٦/ ٤٤ (٦١١٣)، وابن الجارود في المنتقى (٦٤٨)، وأبو يعلى (١٢١٧) من حديث أبي سعيد.
(٢) في الأصل، م: "الثمر بمكيلة ثمره"، خطأ.
(٣) في م: "كان".
(٤) في م: "جذ" بالذال المعجمة. والجَداد بالدال المهملة: صرام النخل، وهو قطع ثمرتها. انظر: النهاية لابن الأثير ١/ ٢٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>