للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وفي قولِ اللَّه عزَّ وجلَّ: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [يونس: ٢٢]. وقولِهِ تعالى: {وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ} [البقرة: ١٦٤] ما فيه كِفايةٌ ودلالةٌ واضِحةٌ في إباحةِ رُكُوبِ البَحْرِ، إذا كان كما وصَفْنا، وباللَّه توفيقُنا.

وأمّا ما جاءَ عن عُمرَ بن الخطّابِ وعُمرَ بن عبدِ العزيزِ وغَيْرِهِما من السَّلفِ: أنَّهُم كانوا ينهَوْنَ عن رُكُوبِ البحرِ (١)، فإنَّما ذلك على الاحتِياطِ، وتركِ التَّغرِيرِ بالمُهَجِ في طَلَبِ الاستِكثارِ من الدُّنيا، والرَّغْبةِ في المالِ، واللَّه أعلمُ.

وإذا جازَ رُكُوبُ البَحرِ في الجِهادِ، وطلَبِ المعِيشةِ، فرُكُوبُهُ للحَجِّ في أداءِ الفَرْضِ أجوَزُ، لمن قدرَ على ذلك، وسَهُلَ عليه.

وقد رُوِي عنِ الشّافعيِّ رحِمهُ اللَّه، أَنَّهُ قال: ما يبِينُ لي أنْ أُوجِبَ الحجَّ على من وراءَ البحرِ، ولا أدرِي كيفَ استِطاعتُهُ (٢).

قال أبو عُمر: قد أجمعَ العُلماءُ على أنَّ مَن بينَهُ وبين مَكّةَ من اللُّصُوصِ والفِتَنِ ما يقطعُ الطَّرِيقَ، ويخافُ منهُ في الأغلَبِ ذَهابُ المُهجةِ، أو المالِ (٣)، فليسَ مِمَّنِ استطاعَ إليه سَبِيلًا، فكذلك أهوالُ البَحرِ، واللَّه أعلمُ.

وفي هذا الحديثِ أيضًا من الفِقهِ: أنَّ المُسافِرَ إذا لم يَكُن معهُ من الماءِ إلّا ما يَكْفيه لشُربِهِ، وما لا غِنَى به عنهُ لشَفَتِهِ: أَنَّهُ جائزٌ لهُ أن يتيمَّمَ، ويترُكَ ذلك الماءَ لنَفسِهِ، حتّى يجِدَ الماءَ.


(١) انظر: الجهاد لابن المبارك، ص ١٦١، ومصنَّف عبد الرزاق (٩٦٢٥)، وطبقات ابن سعد ٣/ ٢٨٥ - ٢٨٤، وفتح الباري للحافظ ابن حجر ١١/ ٧٧.
(٢) انظر: الأم ٢/ ١٣٢
(٣) في م: "والمال".

<<  <  ج: ص:  >  >>