للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهذا يدُلُّك على اشتهارِ (١) الحديثِ عندَهُم، وعَملِهِم به، وقبُولِهِم له، وهذا أولى عندَهُم من الإسنادِ الظّاهِرِ الصِّحّةِ بمعنًى ترُدُّهُ الأُصُولُ، وباللَّه التَّوفيقُ.

وقد خالَفهُما ابنُ عبّاس: حدَّثنا عبدُ اللَّه بن محمدٍ، قال: حدَّثنا أحمدُ بن إبراهيمَ بن جامِع، قال: حدَّثنا عليُّ بن عبدِ العزيزِ، قال: حدَّثنا خلَفُ بن مُوسى بن خلَفٍ العمِّيُّ، قال: حدَّثنا أبي، عن قَتادةَ عن موسى بن سلمةَ الهُذلِيِّ، قال: سألتُ ابنَ عبّاسٍ عنِ الوُضُوءِ بماءِ البَحرِ، فقال: هُما البَحْرانِ، فلا تُبالِي بأيِّهِما توضَّأتَ (٢).

وفي حديثِ هذا البابِ من الفِقه: إباحةُ رُكُوبِ البحرِ؛ لأنَّ رسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لو كرِهَ رُكُوبَهُ، لنَهَى عنهُ الذين قالوا له: إنّا نركَبُ البحرَ.

وقولُهُم هذا يدُلُّ على أنَّ ذلك كان كثِيرًا ما يَرْكبُونهُ، لطلَبِ الرِّزقِ من أنواع التِّجارةِ وغيرِها، وللجِهادِ، وسائرِ ما فيه إباحةٌ أو فَضِيلة، واللَّهُ أعلمُ، فلم ينهَهُم عن رُكُوبِهِ.

وهذا عِندِي إنَّما يكونُ لمن سَهُلَ ذلك عليه، ولم يشُقَّ عليه ويصعُب به كالمائدِ (٣) المُفرِطِ الميدِ، أو من لا يقدِرُ معهُ على أداءِ فُرُوضِ الصَّلاةِ، ونَحْوِها من الفرائضِ.

ولا يجُوزُ عندَ أهلِ العِلم رُكُوبُ البَحْرِ في حِينِ ارتِجاجِهِ، ولا في الزَّمنِ الذي الأغلَبُ منهُ عَدَمُ السَّلامةِ فيه، والعَطَبُ والهلاكُ، وإنَّما يجُوزُ عندَهُم رُكُوبُهُ في زمانٍ تكونُ السَّلامةُ فيه الأغلبَ، واللَّه أعلمُ.


(١) في م: "استشهار".
(٢) أخرجه عبد الرزاق في المصنَّف (٣٢٤)، وأبو عبيد في الطهور (٢٤٣)، وابن أبي شيبة في المصنَّف (١٣٩٢) من طرق عن ابن عباس.
(٣) المائد: الذي يركب البحر، فتغثي نفسه من ماء البحر، حتى يدار به، ويكاد يغشى عليه. انظر: لسان العرب ٣/ ٤١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>