للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا} (١) [يوسف: ٨٢]، وهذا معرُوفٌ في لِسانِ العربِ، وقد تكونُ الإرادةُ للجبلِ مجازًا أيضًا، فيكونُ القولُ في حُبِّ الجبلِ، كالقولِ في إرادةِ الجِدارِ أن ينقضَّ سواءً (٢)، ومن حمل ذلك على المجازِ، جعلهُ كقولِ الشّاعِرِ (٣):

يُرِيدُ الرُّمحُ صدرَ أبي براءٍ ... ويرغبُ عن دِماءِ بني عَقيلِ

وزعمَ أنَّ العرب خُوطِبَتْ من ذلك بما تَعرِفُهُ بينَها من مُخاطَباتِها، ومفهُوم كلامِها، فهذا كلُّهُ مذهبُ من حملَ هذهِ الألفاظ، وما كان مِثلها في الكِتابِ والسُّنَّةِ على المجازِ المعرُوفِ من لِسانِ العربِ.

والمذهبُ الآخرُ: أنَّ ذلك حَقِيقةٌ، ومن حملَ هذا على الحقِيقةِ، جعلَ للجِدارِ إرادةً يَفْهمُها من شاءَ اللَّه، وجعلَ لكلِّ شيءٍ تسبِيحًا حَقِيقةً لا يَفْقهُها (٤) النّاسُ، بقولِهِ عزَّ وجلَّ: {يَاجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ} [سبأ: ١٠]، وقولِهِ: {إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: ٤٤] وجعل للسَّماواتِ والأرضِ بُكاءً (٥) وقولًا، في مِثلِ هذا المعنى صحِيحًا.

والقولُ في كِلا المذهبينِ يتَّسِعُ، وقد أكثر النّاسُ في هذا المعنى (٦)، وباللَّه التَّوفِيقُ.

وأمّا قولُهُ: "إنَّ إبراهيمَ حرَّم مكَّةَ، وإنِّي أُحرِّمُ ما بينَ لابَتَيها"، يعني: المدينة، ففيه تصريحٌ بتحريم المدينة وأنها لا يجوز الاصطياد فيها، وفي ذلك ما يُبطلُ


(١) قوله: "ومثله: والعير التي أقبلنا فيها" لم يرد في الأصل.
(٢) يشير إلى قوله تعالى: {فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} [الكهف: ٧٧].
(٣) انظر: البيت في لسان العرب ٣/ ١٨٩.
(٤) في د ٢، ت: "يفهمها".
(٥) يشير إلى قوله تعالى: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ} [الدخان: ٢٩].
(٦) هذه اللفظة سقطت من م.

<<  <  ج: ص:  >  >>