للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله: {مِنْ خِلَافٍ} يعني: مُتَخَالِفَةً؛ إذا قطعَ اليدَ اليُمنى قطعَ الرجلَ اليسرَى، وإذا قطعَ اليدَ اليسرَى قطعَ الرجلَ اليمنَى، وليس مَعْنى: {مِنْ خِلَافٍ} أني أُخالِفُ بينكم فمِنكم مَن أُقطّع يديه ومنكم من أُقطع رِجليه، بل هَذَا واقعٌ عَلَى مَحَلٍّ واحدٍ، فالخلافُ فِي محلٍّ واحدٍ، يعني: كل واحدٍ مِنكم أُقَطِّعُ يَدَهُ ورجلَه متخالفتينِ، وهذا فِي شَريعتنا حدّ قطَّاع الطَّريقِ، يعني: أحدُّ ما يُحَدّ بِهِ قُطّاع الطَّريقِ هُوَ هذا؛ أنْ تُقَطَّع أَيْدِيهم وأَرْجُلُهُمْ مِن خِلافٍ.

قال تعالى: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ} يعني: بعد أنْ أفعلَ هَذَا لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أجمعينَ، يعني: كما قال فِي آيةٍ أُخرى: {فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: ٧١]، وهنا يشيرُ إِلَى أنَّ فِي مِصْر نَخْلًا، فهو وَعَدَهُمْ بذلكَ. والصَّلْبُ: الرَّبْطُ، وهل يُشْتَرَطُ أنْ يكونَ المصلوبُ ممدودَ اليدِ أو لا؟ لَيْسَ بشرطٍ، فالمهمُّ أن يُرْبَطَ رَبطًا محكمًا عَلَى خشبةِ الصَّلِيب.

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: الصَّلْبُ بعدَ الموتِ أم قبله؟

فالجَواب: قبلَ الموتِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: {لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ}.

وإنْ قالَ قائلٌ: الصَّلْبُ فِي آياتِ قُطَّاع الطَّريقِ قبلَ الموتِ أم بعدَه؟

فالجَواب: الصلبُ فِي آياتِ قُطَّاع الطَّريقِ اختلفَ فيه العلماءُ: هل يكونُ قبلَ الموتِ أم بعدَهُ، والمشهورُ فِي مَذْهَبِنا أَنَّهُ بعد الموتِ، ولكن الصَّحيح أَنَّهُ قبلُ؛ لأنَّهم إذا صُلبوا قبلُ نالُوا الأَلمَيْن: الحِسِّيّ والنَّفسيّ، أو القلبيّ، لكن إذا صُلِبوا بعد الموتِ فلا يُؤْلِمُهُم شيْءٌ أبدًا.

ثم إن تَصْلِيبِهِمْ بعدَ الموتِ لا فائدة منه، لهذا لَمَّا قيل لأسماء بنتِ أبي بكرٍ - رضِي الله عنه وعنها-: إن الحَجَّاج فعلَ كَذَا وكذا بعبدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ بعدَ موتِهِ،

<<  <   >  >>