للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال: {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} (إِنْ) يقولُ المُفسِّرُ: [مُخَفَّفة مِنَ الثَّقيلة، واسمها محذوفٌ، أي: إنه]، أي: الفعل [{كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} بَيِّنٍ]، كلها بفعلٍ ماضٍ، ولم يُسْلَبْ منها الدلالة عَلَى الزمنِ؛ لِأَنَّ المُرادَ: كنَّا فِي الدنيا.

قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} بيِّنٍ {إِذْ} حَيْثُ {نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} فِي العِبَادَةِ]، وهذا صحيحٌ، فهذه غاية ما يَكُونُ مِنَ الضَّلالِ أنْ يُسَوِّيَ الْإِنْسَانُ المخلوقَ بالخالِق فِي العِبَادَةِ، وليستِ العبادةُ هِيَ الركوعَ والسجودَ فقطْ، بل حَتَّى مَن أطاعَ أحدًا فِي تَحريمِ ما أحلَّ اللهُ، أو تحليلِ ما حَرَّمَ اللهُ؛ فَإِنَّهُ عابدٌ له، كما قال الله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ} [التوبة: ٣١]، قال عَدِيُّ بنُ حَاتِمٍ للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: إنَّا لَسْنَا نَعْبُدُهُمْ - يعني: ما نعبدُ أَحبارنا ورُهْبَانَنا، يعني: عُلماءنا وعُبَّادنا - فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَلَيْسَ يُحَرِّمُونَ مَا أَحَلَّ اللهُ فَتُحَرِّمُونُهُ، ويُحِلُّونَ مَا حَرَّمَ اللهُ فَتَسْتَحِلُّونَهُ؟ ". قال عَدِيٌّ: بلى. قَالَ: "فَتِلْكَ عِبَادَتُهُمْ" (١).

فهَؤُلَاءِ الَّذينَ يُطَبِّقُونَ أَنْظِمَة وضعيَّة معَ مُخَالَفَتِها للشَّرع، فيكون مآلهم يومَ القيامةِ كهَؤُلَاءِ، يعني: يَتَبَرَّءُونَ منهم ويُخاصِمُونهم، ويقولون مُقِرِّينَ عَلَى أنفسهم: {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٩٧) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ}.

فمثلًا: الْإِنْسَان يقولُ له اللهُ فِي كِتَابِهِ وعلى لسانِ رسولِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: هَذَا حلالٌ، فيقول له الحاكِمُ: هَذَا حرامٌ مَمْنُوعٌ، فيَمْنَعُه، ويَرَى أَنَّهُ مُحَرَّمٌ؛ معَ تحليلِ اللهِ له، فلا شكّ أَنَّهُ اتَّخَذَ هَذَا الحاكِمَ إلهًا معَ اللهِ مُشَرِّعًا، كذلك يقولُ له مثلًا ربُّه:


(١) أخرجه الترمذي: أبواب تفسير القرآن، باب ومن سورة التوبة، رقم (٣٠٩٥)، واللفظ للطبراني فِي الكبير (١٧/ ٩٢، رقم ٢١٨).

<<  <   >  >>