للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبناء على هذا فإن الكلام ينصرف إلى النوع الأول عندما يقال أصول الأديان السماوية واحدة لا نسخ فيها، وإلى النوع الثاني عند ما يقال الإسلام ناسخ للأديان السابقة.

والمقصود هنا بيان أن علماء المسلمين حددوا ما يدخله النسخ مما لا يدخله، فانحصر ما ينقل عن الأنبياء السابقين إما أن يكون من النوع الذي يدخله النسخ، فإذا خالف هذا حكماً ثابتاً في الإسلام علم إما نسخه أو تبديله، أما إذا نقل شيئاً يخالف الشريعة الإسلامية مما لا يدخله النسخ علم بطلان هذا المنقول قطعاً، وهذا النهج لا يستقيم إلا لمن انطلق من هذه القاعدة.

[٤ - رد التنازع إلى الكتاب والسنة]

تميز منهج أهل السنة بتحكيم الشريعة والتحاكم إليها في ما تنازع الناس فيه من أمور الدين امتثالاً لأمر الله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (٥٩)} [النساء: ٥٩] (١).

ويقينا منهم أن الكتاب جاء للفصل بين الناس فيما اختلفوا فيه، قال تعالى: {أَلِيمٌ (٦٣) وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً} [النحل: ٦٤] (٢)، قال ابن حزم: " فلم يسع مسلماً يقر بالتوحيد أن يرجع عند التنازع إلى غير القرآن والخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أن يأبى عما وجد فيهما، فإن فعل ذلك بعد قيام الحجة عليه فهو فاسق، وأما من فعله مستحلاً للخروج عن أمرهما، وموجباً لطاعة أحد دونهما، فهو كافر لا شك عندنا في ذلك" (٣).

وقد استعمل أهل الحق هذه القاعدة مع أهل الأديان، وهم في هذا الأمر مقتدون بالقرآن الذي طالب منهم إقامة دينهم والتحاكم بما أنزل الله إليهم. قال تعالى: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} [المائدة: ٦٨] (٤)، وقال تعالى: {وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (٤٧)} [المائدة: ٤٧] (٥).


(١) سورة النساء الآية: ٥٩.
(٢) سورة النحل الآية: ٦٤.
(٣) الإحكام: ص ١/ ٩٩.
(٤) سورة المائدة الآية: ٦٨.
(٥) سورة المائدة الآية: ٤٧.

<<  <   >  >>