للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النقد لمناهج علم الكلام:

يتبين لنا مما سبق أن مناهج علماء الكلام قد انحرفت عن المسار الصحيح بسب انتهاجها ذلك النهج المغرق في الاستدلالات الأرسطية والمقدمات العقلية الموغلة في الجدل والمراء، ولقد وجه إلى هذا المنهج نقد لاذع من قبل أساطين علم الكلام قبل معارضيه وتاب عنه كثير منهم، أمثال أبي حامد الغزالي، وفخر الدين الرازي، وإمام الحرمين الجويني (١).

فعلم أن المنهج الكلامي -وإن قصد به الدفاع عن الإسلام- قد أدى إلى نقيض القصد وانكشفت أخطاؤه للعيان، ولعل أهم هذه الأخطاء تتلخص فيما يلي:

أولا: أنه نأى عن منهج القرآن في الدعوة إلى تثبيت العقيدة أو الدفاع عنها وآثر عليه نظريات وبراهين تثير من الشبه أكثر مما ثير من الإقناع فأوقعت أهلها في الحيرة والشك -فضلاً عن غيرهم-، قال شيخ الإسلام: "إنك تجد أهل الكلام أكثر الناس انتقالاً من قول إلى قول وجزماً بالقول في موضع، وجزماً بنقيضه وتكفير قائله في موضوع آخر، وهذا دليل عدم اليقين" (٢)، وصرح الشهرستاني كما ذكر ابن تيمية: "أنه لم يجد عند الفلاسفة والمتكلمين إلا الحيرة والندم" (٣).

ثانياً: إن مناهج المخالفين بعد أن اختلطت فيها طريقة الكلام وطريقة الفلسفة أصبحت مناهج نظرية بحتة تنظم المقدمات وتستخلص النتائج خلافا للمنهج القرآني الذي يخاطب العقل ويستثير العاطفة والفكر في تكوينه للعقيدة.

ثالثاً: إن أهل الأهواء باعتمادهم على العقل وحده وتحكيمه في كل شيء حتى فيما لا يقدر عليه كالأمور الغيبية، قد جنوا على العقل والشرع معاً، إذ حرفوا الشرع بسبب التأويل الباطل، وفرقوا الناس كل تفريق، وأوقعوهم في شنئان وبغضاء مما أعطى الأعداء فرصة للشماتة على الإسلام وأهله.

رابعاً: إن مناهج أهل الأهواء جنت على الإسلام حيث قدمته إلى الناس في غير حقيقته بسبب تأويل أو رفض بعض النصوص كما جنت على غير المسلمين حيث حجبت عنهم حقيقة الإسلام ودعتهم إلى البدع والآراء المتناقضة.


(١) انظر: مجموع الفتاوى ٤/ ٧٢ - ٧٣.
(٢) مجموع الفتاوى ٤/ ٥٠.
(٣) المصدر السابق ٤/ ٧٣.

<<  <   >  >>