للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أثقب الناس نظراً وأدقهم ملاحظة. هذه الحوادث المفرحة لم تحدث بغتة حدوث الفتن والحروب ولكنما نمت تدريجاً وأحكمت شيئاً فشيئاً لا في ساعة بل في أشهر وأعوام.

كذلك تأثير الرجل العظيم مثل الوزير عدلي باشا يكون صامتاً شاملاً كتأثير الهواء والشمس تلك التي تجمع بين المنظر الفتان والأثر الفعال - بين الجمال والمنفعة - بين حب الناس إياها وحاجتهم إليها. وبالاثنين تكمل الفضيلة. فإن الشخص المحبوب لحسنه ورونقه وهو قليل المنفعة ناقص نقص ذي المنفعة ليس بذي رونق يستميل وخلابة تسبى وإنما كريه بغيض تجتويه الأعين وتنبو عنه النفوس.

فأما الوزير فهو الذي جمع الخلتين فاستكمل بفضل ذلك الفضيلة. فلقد بلغ من فرط محبة الناس إياه مع اعترافهم بجزيل هباته وبيض أياديه أن كثر فيهم من سمي بنيه باسمة فكلما نودي بالاسم الجليل في شوارع المدن وطرقاتها وفي دورها ومنازلها صباح مساء. وحينما يضرب الليل خيامه. ويحدر الصباح لثامه. كان ذلك النداء ثناء ذائعاً وشكراً سياراً لما أولى هذا الرجل العظيم من سابغ آلائه وجزيل نعمائه.

وكذلك الرجل العظيم كلما حل أرضاً فرحل عنها ترك بها من محاسن الآثار الخالدة مالا يزال يذكر بها ما اصطحب الفرقدان. واختلف الملوان. ولسان حال البلاد وأهلها يناديه:

فاذهب كما ذهبت غوادي مزنة ... أثنى عليها السهل والأوعار

ميشيل بك لطف الله

أحد النواب في الجمعية التشريعية عن المصريين السوريين

لا أظن أن في أقطار العالم وممالكه بلدين يكادان يكونان لولا التقسيم السياسي بلداً واحداً. لا تفصلهما حدود الاجتماع. ولا تميز بينهما الفروق الطبيعية، ولا تحدهما التخوم السياسية، غير مصر والشام. فهما قطعتان من الشرق متداخلتان متمازجتان تجوز الأولى إلى أختها الأخرى. فما تبرح ترى السماء الصاحية. والشمس الزاهية. وما تنفك تشم الهواء العليل، وتستاف النسيم البليل. وتشارف الجو الجميل. وترتع في الروض العشيب، وتمرح في المنظر الخصيب، فإذا نزل المصري أرضاً سورية. فكأنه لا يزال في مصر، بين أصحابه وإخوانه، وأحبابه وجيرانه. وإذا هبط الوسري وادي النيل، رأى رحباً وسعة. وألقي خصباً ودعة. واطمأن به المقام، ورأى بدائع ضروب الترحيب، وشهد محاسن صنوف الأكرام،