للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وما منشأ ذلك الود الاجتماعي بين الأمتين إلا أن الأمة السورية قد تنزهت نفسها من شوائب تلك النقيصة الاجتماعية التي تراها شائعة بين أكثر أمم الدنيا وأغلب شعوب الأرض. ونعني بها ذلك الزهو الأهلي الكاذب الذي يوشك أن يقطع بين الأمم ما تصله الروابط الاجتماعية الأخرى. إذ ترى كل أمة تياهة بنفسها مزهوة على غيرها. تجنح إلى تفضيل نفسها على ما سواها من الأمم الأخرى، وتعد آدابها وعاداتها وأخلاقها هي المقياس الصحيح الذي يجب أن يقاس به آداب العالم وعاداته وأخلاقه، وتعتقد أن الله لو جعل الناس أمة واحدة. لاختارها لتكون تلك الأمة!.

وهناك رابطة أخلاقية تربط قلب السوري بقلب أخيه المصري. وتذلل بينهما أسباب التعارف والامتزاج، وهي أن السوري سريع الاختلاط بأهل البلد الذي يستوطنه والوسط الذي يعيش بين ظهرانيه، وهذه لعمرك مزية إنسانية. لا تحدها حدود الوطنية، وإنما تحدها حدود الآدمية كلها. وما أعرف فضيلة هي خير مقاماً من حب الاختلاط بالناس، فلو لم يخلق الله الهواء خليطاً من الأكسجين والنتروجين، لاحترق العالم. والتهب عنصر الوجود، وكذلك لو لم يختلط فكر الإنسان ومزاجه بفكر غيره ومزاجه. لاحترق وأحرق معه جهازه الجثماني. والعالم من أقصاه إلى أقصاه يسير على مبدأ الاتصال. وإلا فلو قامت كل أمة بنفسها. ولم تعمل على مواصلة غيرها لما عدت الدنيا أن تكون غابات كثيفة. يسكن كل غابة منها نوع غريب من أنواع الحيوانات الإنسانية.

وقد ذلل للسوري اختلاطه ببني الأمم الأخرى الشرقية منها والغربية ما أودعه الله في مزاجه الهادي من محاسن الآداب. وما محاسن الآداب إلا الجواز الذي يبيح لصاحبه الدخول إلى باحات القلوب والاستقرار في حبات الأفئدة. إذ كانت القلوب البشرية لا تفتح موصد أبوابها إلا لذي الصفحة المشرقة. والوجه البش المبتسم والقول اللين الكريم. والخلق السهل الذلول. وقد أوتي السوري من هذه جميعها القسط الأوفر والحظ الأجمل الأكمل.

والأمة السورية اقبل الأمم الشرقية للرقي الغربي. وأكبرها استعداداً للتطور المدني. وهي تجري مع روح العصر نازعة قيود الماضي. خالصة من سلاسل المبدأ الشرقي القديم، بل هي الأمة الشرقية الوحيدة التي امتازت بقوة الدأب وروح المثابرة. وإنك لترى السوري عند خط الاستواء في ذلك الجو الملتهب والحر الأبدي والقيظ الصامت أو عند مناطق