للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الجليد الشديدة الزمهرير. يجد ويعمل لا مستشعراً فتوراً ولا كلالاً. ولا واجداً نصباً ولا رهقاً، لأنه يستعين على المكاره، ويستنصر على المشاق بروح قوية جعلت شعارها ذلك المبدأ العظيم الذي سنه بونابرت بقوله: لا شيء في الحرب يعجزني فإن عز على صانع البارود صنعته وإذا أعوزني صانع المدافع والبنادق كنته، وأنا كما تعلم مدبر الأمر مصرف الملك.

وبين أيدينا الآن ترجمة رجل من أفاضل السوريين وكبير من أكابرهم، وعظيم من خلاصة عظمائهم، توفر على حبه مصر والمصريين وحبس عصارة الحياة من علم وأدب وفضل ومال على كل مشروع مصري. وعمل خيري ومبرة عظيمة كبيرة، مع أنك ترى كثيراً من أغنيائنا وأصحاب الألوف المؤلفة فينا يسيرون على مبدأ الحياد!. فلا يقوم في الأمة مشروع إلا خذلوه بصمتهم. ولا تنهض لنا نهضة حيوية إلا أماتوها بجمود أكفهم، فالأمة بهم فقيرة وإن كانوا سراتها، والأمة بهم معدمة وهم علم الله عدمها، وماذا لعمرك ترتقب منهم من نفع، وماذا ترتجي من فائدة. والعقول ناضبة، والأكف جعدة، والجيوب ممسكة، والأيدي إلى الأعناق مغلولة، وهل كانت الأمة لتقوم إلا بحبيب الموسر وعقل المفكر. وما يقوم العقل في خدمة المجموع دون الحبيب، ولا أثر له ولا فائدة بحتة إذا لم يعضد بالمال، ويعان بجود الجواد. وصفد الصافد، وعطاء السرى، ورفد الغني، وإلا فلو أصبحت الأمة وكلها عقول تفكر، وأذهان تدير. وآراء تفيض وتسح، وخواطر تتابع وتسنح، ولم يفض من جيوب الأمة جيب، ولم يهتز للندى غنى، ولم يقبل على تعضيدها موسر، إذن لضاع فيض هذه العقول وتكلبها سدى وهقاء، كما يضيع الجدول الفضفاض في رمال الصحراء، وإذن لوقفت الأمة عن سيرها، ولزمت مكانها لا ترى لها محركاً، ولا تجد لأمرها ملاكاً، ولا تبصر لنفسها قواماً، وإذ ذاك تنحط ورح الأمة وتضعف عزيمتها من جراء هذه الخيبة المتواصلة التي تصدم بها كلما قام مشروع، أو تأسست للخير جمعية، أو أنشئت لتعميم التربية والتعليم جامعة أو كلية، ويكفيك من عاقبة هذا الانحطاط النفساني إنه مقدمة للانحطاط الفكري، فإن العقول من هذا الفشل المتتابع تهرم وهي في حدثاتها. وتضعف وهي لا تزال في عنفوانها، ولا تلبث إلا ذهان الخصيبة أن يصيبها الجدب لقلقهما تجد من رى، وتشهد من عناية ورعى، إذ كانت الفكرة الواحدة في عقل المفكر مثتاثا تلمذية كثاراًُ