للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من قويم الأفكار، وتنتج ترباً كبيراً من رشيد الآراء.

فلا غرو إذا قلنا أن ميشيل بك لطف الله أكثر من المصريين مصرية. وأشد من الوطنيين السراة وطنية. بعدما رأينا من جمود أكثرهم، وضنهم بحق الأمة عليهم، وبذلهم فيما لا ينفع الأمة ويضرهم. وإسرافهم حيث لا ينبغي الإسراف. وشحهم حيث لا يخمد الشح، وبعدما رأت الأمة المصرية جمعاء، من صاحب الترجمة الجواد الفياض، والكريم اليد والخلق، والشريف الروح والوجدان، والرجل العامل في سكون واطمئنان، لا يبقي كغيره من الموسرين بمكارمه المظاهر الكاذبة! ولا يروم بمآثره العامة الأبهة الجوفاء، ولا يسأل على ميراثه من الشهرة أجراً ولا جزاء. وعنده أن اللذة الروحانية بتعضيد الأمة وشد أزرها خير من لذة الجثمان باقتناء السيارات، وابتياع فخم المركبات، وشراء الجياج الصافنات، والجلوس إلى غرير الجواري وحسان القينات والتمتع بأطايب النعم وأفانين الملذات، علم أن الإنسان إن لم يرتفع إلى صف الملائكة انخفض إلى صف الشياطين، فأبت طبيعته إلا الارتفاع لا الانخفاض، وشاءت سجيته إلا الروحانية لا الحيوانية، فكان منه الإنسان الروحاني الكريم العواطف العظيم المشاعر والوجدانات، ولعمري هل انتقلت الإنسانية من همجيتها الأولى إلى حالها اليوم من حضارة وعمران، إلا بأولئك الروحانيين كبار النفوس المتجردين عن الحيوانية الذين ازدان بهم كل عصر من عصور التاريخ، وازدهى كل جيل من أجيال البشر والذين لولاهم لكنا اليوم ساكني الكهوف والأجحار، ورواد الغاب والجبال، ومعاشري الأوابد والأوعال، ثم دعك من ذكر الجماهير فإن من الخطأ لبين أن تقدر الأمة بتعدادها وتوزن بأحصائها وتقاس بآلاف الأميال المربعة من طولها وعرضها، وإنما ينبغي أن تعتبر بأهميتها في الجيل الذي هي فيه والقرن الذي تقطعه، ولا تكون هذه الأهمية إلا بأولئك الأفراد القلائل الذين إذا ظهروا في الأمة فكأنهم سكان الأمة وكان تعدادها تعدادهم وليت شعري لو كان الثلمائة الأسبارطيون وقفوا يوم ثرمو بوليه إزاء مثلهم من الفرس لا إزاء مليونين أو يزيدون. فاستكانوا لهم. وأخذوا بكثرتهم. فهل كان الأمر يكون في الحالين سواء في تاريخ الإغريق. وإن شئت فقل في تاريخ الإنسان ولقد أصاب رجال نابوليون العظيم إذا كانوا يدعونه (بالمائة ألف) ولو كان بونابارت رجلاً أميناً لما عتموا أن دعوه (بالمائة مليون).