للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولد صاحب الترجمة في القاهرة قبل الثورة العرابية ببضع سنين، فلا جرم أن ينشأ على حب مصر، ولا عجب أن يشب على مودتها. ويغتذى من محبتها، ولا بدع أن تراه بالمصريين مشغوفاً، وبخدمتهم صبا، وبالانتساب إلى مصر فخوراً، إذ كان منشأ الحب الائتلاف، وباب المودة الاختلاط، وقد يفضل المولد على الموطن، وقد يؤثر الصديق على القريب، ويستحب على ابن الجلدة الغريب، وذلك تبعاً لكثرة المخالطة وقلتها، وطول الملازمة وقصرها، ولعل صاحب الترجمة ورث حب مصر عن أبيه، وأخذه عن والده، فإن أباه حبيب باشا لطف الله جاء من بيروت مولده إلى مصر حوال عام ١٨٥٢ فتخذها عن حب موطناً، ونزل بأسرته الكريمة عليها ضيفاً عزيزاً حتى إذا استتب به المقام اشتغل في تجارة الصادرات والواردات بين إنجلترا والهند والسودان في سن الفيل والعاج والصمغ والأقمشة.

فلما استمكن من فؤاده حب هذه البلاد ونعم بجناب أهلها. رأى أن ينقطع إلى سكناها. ويبقى على قربها، فاشترى له منذ ثلاثين عاما أملاكاً بها وضياعاً، ثم اعتزل التجارة بعد ذلك العهد بعشرة أحوال.

ولما ترعرع المترجم به دفعه والده إلى مدرسة اليسوعيين. ثم انتقل منها إلى مدرسة الفرير ثم رحل عنها إلى المدرسة التوفيقية وتوجه بعد ذلك إلى بيروت ليتم الدراسة بكليتها وعاد بعد حين إلى مصر فدخل مدرسة الحقوق الفرنسية. فلما شعر والده بالحاجة إليه دعاه قبل أن يتم دروسه في الحقوق إلى مشاركته في إدارة أعماله المالية. ولا أظن أن والده أساء صنعاً أو أخطأ شاكلة الصواب. فإن الشهادات المدرسية لا تزيد في شخصية الرجل. ولا ترفع من قدره. بل قد تفسد في بعض الأحايين شخصية حاملها وأخلاقه. بما قد تدخل عليها من زهو وعجب وغرور وخيلاء. فكم رأينا من طالب كان قبل أن يحرز شهادته على نصيب وافر من طيب الأخلاق. وعذوبة المحضر. ولين الجانب. فلما سقطت عليه الشهادة الدراسية إذ به انقلب صلفاً مزهواً فاسد الروح. شموس العطف. مصمر الخد حتى لكأنما قد فاز عند الله بالشهادتين!!.

وليست شهادات الليسانس والدكتوراه والدبلوم وغيرها بالمقادير التي تقدر بها أنصبة محرزيها من العلم، وأقساطهم من الإطلاع والأدب. ومواهبهم من العبقرية والذكاء وهؤلاء