للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حملة الليسانس وأخوانها من عليا الشهادات يعدون في هذا البلد بالعشرات والمئات لا نسمع لهم صوتاً. ولا تشهد لهم آراء. ولا تجد لهم فضلاً. اللهم إلا أفراداً نوابغ. نضجوا خارج المدرسة وذكوا خارج الدرس ونبغوا دون الشهادة وتوفروا على العلم للعلم لا لوظائف الحكومة. وأخلدوا إلى الإطلاع والآداب. لا للشارات والألقاب. بهم تنتفع الأمة وبهم تسود.

ولم ينشب المترجم به إن دخل في الحياة العمومية لأن العظمة الشخصية لا ترضي العزلة. ولا تسكن للانفراد. ولا تطمئن للوحدة. فإنك أن تضع القطعة المغناطيسية جانباً ولم تقر بها من قطع الحديد وسبائك المعدن. لا تجدها تمتاز عن سائر أنواع الحديد والرصاص، ولا تعرف عن بقية المعادن بامتياز واختصاص فمن ثم انتظم المترجم به في سلك عدة جمعيات سورية أنشئت للخير وأسست للغوث والبر. على أنه لم يلبث أن أقال نفسه. ونفض منها يده. إثر خلاف قام بينه وبين أعضائها على وجوه هذا الخير الذي اجتمعوا له. وطرق البر الذي نصبوا أنفسهم للانفاق منه. وكان رأيه أن تصرف أموالها على الفقراء من جائع عان. وظمآن هيمان. وعار لهفان. ومريض أسوان. ومنكوب مهان. وكان غرضهم أن ينشؤا الكنائس ويبتنوا البيع والمعابد وما كان رأيه إلا الرأي الحصيف. وما كان مقصده إلا المقصد الشريف، لأن الفقراء والمحرومين هم الفتوق التي تشوه ثوب الإنسانيه. بل هم في جثمانها الجراح الدامية وما خلق الله عظماء الرجال إلا لرتق هذه الفتوق. وتضميد هذه الجروح. وما برأهم ألا ليكونوا للناس محسنين وأساة. فلا تستمع بعد للفلاسفة المختلطين القساة. ولا يغرنك صيحاتهم أن اقتلوا الضعفاء. وأبقوا على الأصلح. واتركوا العالم للأقوياء فهؤلاء نظروا إلى الدنيا من خلال زجاجة سوداء، فبدت لأعينهم كذلك مظلمة، ولو صدع بأمرهم. واتبع رأيهم. لكانوا عمرك الله أول ضحاي هذا الرأي. وأول ذبائح هذا المذهب الدموي. ثم أين تلك القوة المطلقة التي لا يشوبها شيء من الضعف. بل أين ذاك الضعيف الذي لا يعتريه شيء من القوة. وليت شعري ما أعانه الملهوفين وإغاثة المكروبين. وإعالة المنكوبين. إلا أحسن صنوف العبادة. وأصلح ضروب التسبيح والتكبير، وماذا يعني الإكثار من المعابد والكنائس والمحاريب والله قد خلق هذه الأرض جميعاً لتكو مسجده وكنيسته ومحرابه، ولقد أصاب دكنز القصى الكبير إذ وصف الإنسان بمعبد الله.