للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فنظرت ليزافيتا في الرقعة فعلمت أن هرمان يلتمس لقاءها.

فصاحت وقد راعها قحة هذا المطلب وأسلوبه: أنا واثقة أن هذه الرسالة ليست لي.

ثم أنها مزقت الرقعة شذر مذر.

فقالت الصبية: إذا كانت ليست لك فلم مزقتها، لقد كان ينبغي لي أن أردها إلى صاحبها.

فارتبكت ليزافيتا لهذه الملاحظة وقالت: أرجوك يا عزيزتي أن لا تأتيني بأية رسالة أخرى بعد الساعة وخبري مرسلك أن هذا عار عليه.

ولكن هرمان لم يكن بالرجل الذي تصده مثل هذه الصدمة فكان لا يمر يوم إلا تأتيها منه رسالة وكان يتفنن ما شاء في رسالاته المتولية في أساليب الاستمالة والاستهواء وكان لا يترجم هذه الرسائل من القصص الألمانية كما صنع في الرسالة الأولى بل كان يكتبها تحت تأثير سورة الطمع الملتهب بلغة عواطفه ووجدانه فكانت تنم عن صرامة عزمه وصلابة إرادته وتشف عن اضطرابات خياله الجامح الشرود الذي لا ترده شكيمة ولا يثنيه عنان.

فضعفت إرادة الفتاة أمام هذه القوة الهائلة فأذعنت واستكانت ولم تعد تقوى على رد تلك الرسائل إلى صاحبها كما فعلت بالأولى. بل على عكس ذلك كانت تجد لكلمات الفتى حلاوة في قلبها وروحاً على كبدها ونشوة تميل لها وتترنح كالشارب الثمل من حميا الراح والغصن الرطيب في اليوم الراح. وبدأت تجيبه على كتبه ورسائله وكانت أجوبتها إليه تزداد على مر الأيام إسهاباً وإطناباً ورقة وغزلاً وأخيراً ألقي إلهي من النافذة الرسالة الآتية:

في هذه الليلة تقام حفلة رقص في دار السفارة تحضرها الكونتيس وسأبقى معها هنالك حتى الساعة الثانية بعد منتصف الليل، فهذه فرصة لالتقائنا في خلوة. والمرجح أنه متى خرجت الكونتيس انطلق الخدم كل في شأنه فلا يبقى إلا البواب وهذا من دأبه النعاس متى ترك وشأنه.

فاطرق الدار الساعة الثانية عشرة فاصعد السلم فإذا عثر بك أحد في الردهة فسل عن الكونتيس هل هي بالدار فستخبر كلا وإذ ذاك ليس أمامك إلا الرجوع من حيث أتيت ولكن الأرجح أنك لن تصادف أحداً. وستكون الوصائف كلهن مجتمعات في غرفة واحدة فإذا غادرت الردهة فانعطف يسرة ثم سر قدماً حتى تبلغ مرقد الكونتيس ففيها تجد حاجزاً خلفه