للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وإذا سأله أحد الناس كم الساعة؟ أجاب: سبعة إلا ثلاثة. وكلما أبصر رجلاً سميناً أذكره بالفنط. وكذلك أصبحت فكرة ثلاثة، سبعة، فنط شغله الشاغل في اليقظة وحلمه في الكرى.

وكان منظرها يتشكل لعين خياله الملتهب في شكل وصورة. فكانت الثلاثة تبدو كأنها الزهر الناضر الجميل وكانت السبعة تتراءى كأنها أبواب القصور القديمة الغوطية الطراز. والأفناط تلوح كأنها العناكب الجسيمة الهائلة.

وكانت نفسه متعلقة من الدنيا بأمنية واحدة، وهي اجتناؤه أعظم الثمرات من ذلك السر الخطير الذي اشتراه بأغلى الأثمان ففكر في الذهاب إلى باريز لالتماس الثراء في أحد مقامرها الجمة.

ولكن عرض له من محاسن الصدف ما أغناه عن تجشم ذلك السفر البعيد!

وقبل أن يهيء الجواب على ذلك تدبر الفتاة أكرة الباب فتفتحه ثم تخرج.

وكان في موسكو جمعية مؤلفة من أغنياء المقامرين يرأسها شيكالنسكي المشهور الذي قضى عمره على مائدة الميسر وجمع الملايين يأخذ أرباحه أوراقاً مالية ويدفع خسائره ذهباً منقوداً وكان لطول تجربته وفرط حنكته قد أحرز ثقة زملائه كما أن داره المفتوحة وطاهيه الحاذق وحسن آدابه ورقة شمائله أنالته إجلال الجمهور واحترامه.

هذا الرجل الشهير قدم إلى سانت بطرسبرج فتهافت عليه شباب المدينة وفتيتها واستبدلوا مائدة القمار بمحافل الرقص وآثروا لذاذات الميسر على حلاوات المغازلة والمداعبة. ففي ذات ليلة سار ناروموف بالفتى هرمان إلى دار شيكالنسكي.

فمرا خلال حلقة من الغرف الزاهية الزاهرة الغاصة بالخدم وكانت الدار مزدحمة فمن بين قواد ومستشارين يلعبون (الوست) وفتية وشبان يتكئون على الأرائك يرشفون المرطبان أو يلهو بالمتابغ.

وكان رب الدار جالساً على مائدة مستطيلة في غرفة الاستقبال حولها نحو عشرين من اللاعبين. وكان يناهز الستين نبيل الطلعة له سمت وأبهة وعليه جلال وهيبة وقد جلله الشيب بالوقار. وقد اشرب وجهه حمرة وأشرقت له نظرة تنطق عن دماثة الطبع ولين العريكة وكانت لا تزال تبرق بعينه ابتسامة البشر والطلاقة فقدم ناروموف إليه هرمان وعرف أحدهما بالآخر.