للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والكره ورأيتهم قد أحجموا عن الحكم عليك فأنت خليق أن تشيم مخايل الرجاء. ويخيل لي أن من يعيشون للمستقبل أنانيون في نظر من يعيش للحاضر. لذلك كان من السخافة أن يعدد ريمر حسنات جويتي فيقول أعط كذا ديناراً لفلان وكذا درهماً لفلان وفلان ومكن الأستاذ فلاناً من وظيفة غزيرة الفائدة وأدخل فلاناً في حاشية الدوق - الخ الخ فإن عدد هذه المبرات قليل وإن كثر وإذا كنت تزن المرء بما تحصي من نوافله فما أحراه أن يشيل في الميزان لأنها جميعها شواذ فأما كرم جويتي فقد عرفناه من رسالة مسهبة بعث بها إلى الدكتور أكرمان يشرح فيها كيف صرف ماله وقد قال فيها لقد كلفتني كل كلمة طيبة قلتها كيساً من الذهب ولقد فيّحت نصف مليون من مالي الخاص الذي ورثته وبددت وظيفتي وكل ما كسبته من الكتابة والأدب - أضعت كل ذلك لأعرف ما أنا اليوم به عليم - ولقد رأيت عدا ذلك الخ الخ.

والشخصية هي الطبيعة في أشرف صورها وأسماها والذي يحاول أن يحكيها أو يكافحها يحاول أمراً بعيداً ويروم مراماً معضلاً لأن في هذه القوة قدرة على المقاومة والثبات ترمي المنافس بالفشل وتسِمُه بالعجز -

ويوجد صنف من الناس يظهرون من حين لحين وبينهم فترات يشقى بها صبر الأمم. فلا يسع الناس إلا الأيمان بهم وبرسالتهم لما يرون فيهم من الفضيلة وبعد الغور وصدق المنزعة وهؤلاء الرجال يولدون ذوي شخصية أوهم كما قال نابليون خلقوا للنصر يتلقّاهم الناس بادئ الأمر على حرف لأنهم جدد ولأنهم يعرون سابقيهم مما علق بشخصياتهم ويجردونهم مما ليس لهم. والطبيعة أعزك الله لا تلتزم في عظمائها ما نلتزم في الشعر من القافية فلا تشق اثنين من نبعة واحدة ولا تقد رجلين من أديم ولا تجيء بعظيمين على غرار فأيما رجل رأى في عظيم مشابه من آخر فلا يحسب أن الليلة لذلك شبيهة بالبارحة فإن شخصية المرء مسألة لا يحلها إلا صاحبها على طريقة لم يسبقه إليها أحد.

والحفر في رأيي نوع من التاريخ فإن ابولو وجوف ليسا مستحيلين يكسوهما اللحم ويجري في عروقهما الدم والصانع إنما نظر فرأي فرسم ولعل في العالم ما هو أبدع من تمثاله وأروع من دميته ولقد رأينا نظائر ذلك ولكنا خلقنا وفي نفوسنا بذرة الأيمان بالعظماء وما أهون أن يقرأ أحدنا في الأسفار القديمة أيام الرجال قليل عن أضأل الأعمال وأحقرها.