للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

جنبات البحر ناراً خرجت أسعى على الساحل في يدي كتابي حتى أتيت دعصاً من الرمل فافترشته وأخذت أقرأ فإني لكذلك إذ لاح ظل حال بيني وبين الشفق فالتفت فإذا رجل طوال شديد الأسر مدمج المفاصل قد وقف لا يشعر بي وإنما يتوجه بجمعه إلى الخليج يرعى الصخور الناتئة بصدر الماء كاسف البال واجما وكان أسمر اللون أسود الشعر قصير القامة كث اللحية أشمّ المعطس مرعث الأذنين على محياه سيما البداوة الهمجية وملامح الشرف والنبل. وكان عليه قطيفة زرقاء وقميص أحمر ونعلان تضربان إلى شطري فخذيه فعرفت في الحال أنه الرجل الذي رأيته أمس على ظهر القارب الغريق.

فصحت بصوت ملؤه الكمد يا هذا أو قد نجاك الله ووطئت الشاطيء مسلماً؟.

فقال بالانكليزية نعم غير أني ما حاولت أن أنجو ولا كان ذاك من صنعي. ولكنها الأمواج رمت بي الساحل. فيا ليتها ما صنعت ويا ليتني. ولوددت والذي خلقك لو أن المحيط غيبني في جوفه وكتمني في ضميره! وكان يرتضخ لكنة أجنبية فيها لذة للأذن وحلاوة في النفس وقال لقد انتاشني رجلان من صادة الأسماك ينزلان تلك الناحية فعنيا بي بيد أني لا أكاد أشكرهما على ذلك. .

قلت يا سبحان الله! هذا رجل من فصيلتك وقبيلتك. ولماذا آثرت الغرق على النجاة يا هذا؟.

فقال ومد ذراعيه بهيئة الواجد الملتاع اليائس لأني فقدت هنالك كنزي الثمين وعلقي النفيس. هنالك حيث اليمّ ضاحك الثغر وضّاء الجبين تثوى منية النفس وقوت الفؤاد منه في حشا خائن غدّار. لا رعى عنده لحرمة ولا جوار. ولا ذمة ولا ذمار. قلت له ما برح الناس يفقدون الأهل والخلان فلا يصنعون صنعك وما في ذاك من ثمرة. فهوّن عليك ولا تذهبن نفسك شعاعاً. ولتعلم بعد أن ما تطأه الآن من أرضى وأسرع ما تكون مضياً من هنا أدناك إلى السلامة وأولى لك. ففي واحدة منكما كفاية.

فصاح واحدة منا؟.

قلت أجل إن استطعت أن تريحني منها فافعل أعدها منك منة غراء.

فنظر إلى هنيهة كأنه لا يفهم مرادي ثم صاح صيحة شديدة وانطلق يعدو والريح في أعقابه حسرى كليلة يؤم منزلي فلا والله ما رأت عيني منذ خلقني الله رجلاً يغدو عدوه واندفعت