للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لا أفعل ذلك حتى أراك ميتاً.

قال وأربد وجهه هبني أخذتها برغمك.

عند ذلك احتدم الدم في عروقي وفار تنّور غيظي فاختطفت عصا من جانب المصلى ثم قلت بصوت شديد منخفض امض من هنا مسرعا وإلا صببتها على أم رأسك.

فنظر إليّ خائر العزيمة هنيهة ثم ترك الدار وعاد بعد لحظة فوقف بالباب يرمقنا ثم قال انظر ماذا تصنع وأعلم أن الغادة غادتي ولا بد لي منها. ولعله إذا بلغ الأمر المقارعة كان الروسي كفء الانكليزي.

فصمت قائلا سنرى! ثم وثبت ولكنه مضى ونظرت شخصه الطويل ينغل في حشا الظلماء.

وسلس عنان الدهر لي ولان جانبه مدة شهر أو زهاءه إذ اطرّد بنا نهر الحياة وانسجم مجراه فلا عثرة ولا عقبة ولا كدر ولا قذى وكانت الغادة ربما ولجت عليّ باب معملي أثناء شغلي فجلست عنده ترنو إليَّ بنجلاويها فأضجرني في أول الأمر ذلك حتى إذا لم أرَ منها أدنى ما يشوش عليّ أو يلهبني اتسع لها فناء صدري. وانفسح لها نطاق صبري. وشجعها ذلك فانبسطت واستأنست وجعلت تدنو على توالي الأيام مني رويداً رويداً حتى آل بها الأمر إلى الجلوس بجانبي ما زاولت العمل ثم جعلت في مقامها الجديد هذا تؤدي إليّ وهي كأصمت ما تكون جملة منافع كأما كها أقلامي وقواريري وأنابيبي ومناولتي كل ما أبتغيه في أتم نشاط وخفة. وكذلك بفضل إنكاري آدميتها وعديها آلة من الآلات الصامتة آل بي الأمر إلى أن صرت أفقدها إذا هي غابت واجدا لها نوعاً من الوحشة. وليعلم القاريء أن من عادتي إذا كنت في عملي أن أكلم نفسي جهاراً أستعين بها على تثبيت نتائجي في ذهني فلعل الفتاة كانت قوية الحافظة قفلة لأنها كانت تعيد ما تسمع مني من الألفاظ دون أن تعرف ولا مشاحة شيئاً من معانيها وطالما ألهاني منها أمطارها العجوز صوبا من المعادلات الكيماوية والرموز الجبرية وضحكها من العجوز إذ تهز رأسها وكأنما ترى لفظ الفتاة شتما موجهاً لها بالروسية.

وكانت إذا خرجت من باب البيت لم تتجاوز أذرعاً قلائل ولا تعدو عتبة الدار إلا وقد أشرفت من كل نافذة لتتثبت من خلو الجوار فدلني فعلها ذاك على أنها تتوجس أن يكون