للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الرجل الطويل لا يزال كامناً لها في بعض تلك الجهات وتخشى أن يختلس غرتها فيحتملها ويذهب. ومن عجيب ما صنعت أنها كانت عثرت على مسدس لي كنت قد فقدته فأقبلت عليه تمسحه وتجلوه وتزينه وعلقته قرب الباب إلى جانبه جعبة ملئت بندقا. فكلما رأتني خاجا ألحت عليَّ أن آخذه. وكانت لا تزال تغلق الباب أثناء غيابي وكانت لولا خوفها باهنأ عيش وأغبط حال قد قسمت مجهودها بيني وبين العجوز أن لم تعني ساعدتها وكانت تنجّز أعمال البيت بفطنة أسرع من اللمح وراحة أخف من الريح.

ولم يمض إلا قليل حتى وجدت لها في تخوفها عذرا. وأن هذا الرجل الغريب ما زال يكمن في جوار الدار. وذلك أني أرقت ذات ليلة فقمت إلى النافذة أشرف منها على أفنية البيت وكان الجو مضباً فلم أكد أبصر سوى حافة البحر ومؤخر قاربي على شاطئه. حتى إذا اعتاد طرفي الظلمة آنست بالرمل شبحاً آخر حيال بابي ولم أك رأيته بالأمس وبينما أطل من النافذة أنعم النظر لأستبين ماذا كان ذلك الشبح انحسرت عن صفحة القمر سحابة عظيمة وتساقط النور أبيض صافياً غضّاً رطيباً على أديم الماء الساكن الأرجاء الصامت النواحي وعلى سواحل القفرة الموحشة. وحينئذ علمت من ذاك الكامن عند بابي وهل كان إلا الروسي؟ لقد كان قاعداً كأنه ضفدع جسيم. قد عقد رجليه تحته جلسة المغولي وعقد طرفه بالنافذة التي قام دونها الفتاة والعجوز وكان نور القمر يهبط على وجهه فرأيت مرة أخرى شرف تلك الصورة ونبل هذه الخلقة ورأيت ناظري الصقر يلتهبان فوق عرنين أشمّ ورأيت غضن الهم محفوراً في أديم ذاك الجبين الأغرّ فقلت في نفسي يا لك من أحمق عاجز الرأي! أفبعد أن رأيتك تلاقي الموت وجهاً لوجه أسكن ما تكون أوصالاً. وأهدأ ما تكون بالاً. أراك قد سبت حجاك. وسلبت نهاك. فتاة شختة عجفاء. نحيلة صفراء. تفرّ منك فرار الصحيحة من الجرباء. ضلة لك ما أحيدك عن السداد. وأبعدك من الرشاد. لقد كان لك لو شئت مندوحة عن هذه المهزولة في ذوات البيوتات والأحساب ممن هن أعرق نسباً. وأبرع أدباً. وأرشق قدّاً. وأقرب ودّاً. وأبهى جمالاً. وأسبى دلالاً. ولكنك تأبى إلا هياماً بتلك الصبية ولجاجاً. وتمادياً في حبها وإلهاجاً. وهي لا تجزيك إلا الصد. ولا تهديك غير سوء الرد. كلما دنوت منها إصبعاً ندّت عنك ميلا. أو وصلتها لحظة هجرتك دهراً طويلاً. ثم عدت إلى مضجعي وأنا أضحك سخراً من أمر هذا السفيه. ولم أخشه وكيف وقد كنت