للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ثم الرضاع لغة مصّ اللّبن من الثّدي وجعل في الدّيوان فتح الراء أصلاً والكسر لغة فيه وجعل الفعل من باب علم أصلاً وكونه من باب ضرب لغة فيه وهو لغة أهل نجد ومنه قول السّلولي (١) على هذه اللغة شعر:

وذَمُّوا لنا الدنيا وهم يَرْضِعونَها … أَفاويقَ حتى ما يَدِرُّ لها ثَعْلُ (٢)

الفيقة بالكسر اسم اللّبن الذي يجتمع بين الحلبتين صارت الواو بالكسرة ما قبلها والجمع فيق ثم أفواق ثم أفاويق الثعل زيادة في الإختلاف أي الضروع بهذا نهجوا العلماء وإنما ذكر الثعل للمبالغة في الإرتضاع فإن الثعل لا يدر في الشّريعة عبارة عن مص شخص مخصوص وهو أن يكون صبياً رضيعًا من ثدي مخصوص وهو ثدي الآدمية في وقت مخصوص وهو ما يذكر بعد قوله لا يثبت التّحريم إلا بخمس رضيعات يكتفي الصبي بكل واحدة منهاكذافي الْمَبْسُوطِ (٣) لقوله -عليه السلام-: «لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَلَا الْمَصَّتَانِ وَلَا الْإِمْلَاجَةُ وَلَا الْإِمْلَاجَتَانِ» (٤) المصّة من فعل الرضيع والإملاجة من فعل المرضع يقال ملج الصبي أمّه من باب علم أي رضعها وأملجت المرأة الصبي أي أرضعته.

ثم وجه التمسك له بهذا الحديث لا يتم إلا بنفي مذهبنا وهو ثبوت حرمة الرضاع وإن قلّ الارتضاع لكن لما انتفى به مذهبنا يثبت مذهبه ضرورة لعدم القابل بالفصل أي بين القليل وبين خمس رضعات.

وقول من قال من أصحاب الظّواهر بثلاث رضعات غير معتبر فلا يقدح له في وجه التمسك به كما ذكرنا ويتمسك أيضاً بحديث عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: كان فيما أنزل في القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن فنسخن بخمس رضعات معلومات يحرمن وكان ذلك مما يتلى بعد رسول الله -عليه السلام- (٥)، ولنا قوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} (٦) الآية، أثبتت الحرمة بفعل الإرضاع فاشتراط العدد فيه يكون زيادة على النص ومثله لا يثبت بخبر الواحد وفي حديث علي -رضي الله عنه- أنّ النبي -عليه السلام- قال: «الرَّضَاع قَلِيلُه وَكَثِيرُه سَوَاء» (٧) يعني في إيجاب الحرمة ولأنّ هذا سبب من أسباب التّحريم فلا يشترط فيه العدد كالوطئ.


(١) السّلولي: هو عبدالله بن همّام بن نبيشة بن رياح السّلولي، من بني مرة بن صعصعة: شاعر إسلامي وكان يقال له "العطار" لحسن شعره. ومات سنة (١٠٠ هـ).
يُنْظَر: الشعر والشعراء (٢/ ٦٣٧ - ٦٣٩)، الأعلام (٤/ ١٤٣).
(٢) الأفاويق: ما اجتمع من الماء في السحاب، كذلك من اللبن في الضرع. ثَعْلُ: حلمة الثدي. الثُعْلُ بالضم: خِلْفٌ زائدٌ صغير في أَخْلافِ الناقة وفي ضرع الشاة، يقال: ما أبينَ ثُعْلَ الشاةِ. والجمع ثُعولٌ. والبيت من بحر (الطويل).
يُنْظَر: شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات (١/ ٢٧٠)، حماسة الظرفاء (١/ ٢٩)، الصحاح (٤/ ١٦٤٦).
(٣) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٥/ ١٣٤).
(٤) رواه مسلم كتاب الرضاعة باب في المصة والمصتين (٢/ ١٠٧٣) برقم (١٤٥٠، ١٤٥١).
يُنْظَر: نصب الراية (٣/ ٢١٧)، الدراية (٢/ ٦٨).
(٥) رواه مسلم كتاب الرضاعة باب رضاعة الكبير (٢/ ١٠٧٥) برقم (١٤٥٢).
(٦) سورة النساء من الآية: ٢٣.
(٧) رواه عبدالرزاق في مصنفه (٦/ ١٠١)، النسائي في كتاب النكاح باب القَدْر الَّذي يُحرّم من الرَّضاعة برقم (٣٣١١) بلفظ: «يُحَرِّمُ مِنَ الرَّضَاعِ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ»، والدار قطني (٥/ ٣٠٢)، ابن أبي شيبة (٣/ ٥٤٨)، الطبراني (٩/ ٣٤١) وغيرهم.