للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وفي الْمَبْسُوطِ (١)، ولو كنّ ثلاثاً أي الصبايا ثلاثاً تحت رجل فأرضعتهن معًا امرأة بأن حلبت في قارورة، وألقمت إحدى ثدييها أحديهن والأخرى وأوجرت الثّالثة معاً بنّ جميعًا؛ لأنّهنّ صِرن أخوات معًا وإن أرضعتهن واحدة بعد أخرى بانت الأوليان والثّالثة امرأته؛ لأنّها حين أرضعت الثّانية فقد تحقّقت الأجنبية بينها وبين الأولى فيقع الفرق بينه وبينهما، ثم ارتضعت الثّالثة وليس في نكاحه غيرها وعلى هذا قياس المسائل ولا يقبل في الرضاع شهادة النّساء منفردات سواء كنّ أجنبيات أو أمّهات أحد الزّوجين والمراد من الانفراد انفرادّهن من الرجال لا انفرادهن عن جماعتهن فإنهنّ وإن كثرن لا تقبل شهادتهنّ في الرضاع بدون اختلاط الرجل معهن، وقال الشّافعي-رحمه الله- (٢) يثبت الرضاع بشهادة أربع نسوة بناء على مذهبه أن فيما لا تطلع عليه الرجال يعتبر فيه شهادة أربع نسوة لتقوم كل امرأتين مقام رجل وزعم أن الرضاع مما لا يطلع عليه الرجال لأنه بالثّدي يكون ولا يحلّ مطالعته للأجانب ولكنّا نقول الرضاع ممّا يطلع عليه الرجال لأن ذي الرّحم المحرم ينظر إلى الثّدي وهو مقبول الشّهادة في ذلك ولأن الحرمة كما تحصل بالرضّاع من الثّدي تحصل بالإيجار من القارورة وذلك ممّا يطلع عليه الرجال وقال مالك -رحمه الله- (٣) لا تثبت بشهادة امرأة واحدة واستدلّ في ذلك بحديث عقبة بن الحارث -رضي الله عنه- أنّه تزوّج ابنة أبي إهاب فجاءت امرأة سوداء وأخبرت أنّها أرضعتهما فذكر ذلك لرسول الله -عليه السلام- فأعرض عنه ثم ذكر ثانياً فأعرض عنه ثم ثالثاً فقال: «فارقها إذن» فقال: إنّها سوداء يا رسول الله قال: «كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ» (٤) كذا في الْمَبْسُوطِ (٥) كمن اشترى لحمًا وأخبره واحد أنّه ذبيحة مجوسيّ فإنّه لا ينبغي للمسلم أن يأكل ويطعم غيره لأن المخبر أخبره بحرمة العين وبطلان الملك فتثبت الحرمة مع بقاء الملك ثم لما ثبت الحرمة هنا مع بقاء الملك لا يمكنه الرد على بائعه ولا أن يحبس الثّمن عن البائع كذا في فتاوى قاضي خان -رحمه الله- (٦).


(١) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٥/ ١٤٢).
(٢) يُنْظَر: الأم (٥/ ٣٦)، روضة الطالبين (٩/ ٣٦).
(٣) الشَّهَادَة على الرَّضَاع اختلف العلماء في هذه المسألة:
- مذهب مالك: لا تُقْبَل فيه إِلَّا شَهَادَةُ امْرَأَتَيْن.
- مذهب الشافعية: لا تُقْبَل فيه إِلَّا شَهَادَةُ أَرْبَع نِسْوَة.
- مذهب أَبِي حَنِيفَةَ وأحمد ورواية عن مالك: تُقْبَل فيه شَهَادَة امْرَأَة واحدة.
يُنْظَر: بداية المجتهد (٢/ ٣٩)، المدنة (٢/ ٣٠٠)، الأم (٥/ ٣٦)، روضة الطالبين (٩/ ٣٦)، المغني (١٠/ ١٣٦)، الروض المربع (١/ ٧٢٤).
(٤) رواه البخاري كتاب الشهادات باب اذا شهد شاهدا وشهود … (٣/ ١٦٩) برقم (٢٦٤٠).
(٥) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٣٠/ ٣٠٢).
(٦) يُنْظَر: المحيط البرهاني (٥/ ١٠٠).