للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فإن قلت: أن حرمة النكاح أسرع ثبوتًا من العتق ألا ترى أن حرمة النكاح تثبت بالرضاع، ولا يثبت به العتق، فلم يلزم لذلك من ثبوت حرمة النكاح ثبوت العتق؟.

قلت: كلامنا في حرمة النكاح [٣٩٨/ ب] الموجبة للصّلة، ولم ينشأ ذلك إلا من القرابة، وليس للرضاع أثر في وجوب الصّلة، إلا أنّه لا يجري التّوارث ولا وجوب النّفقة في الرضاع، فعلمنا أنّ حرمة النكاح لم يثبت في الرضاع صلة، بل النّص أثبت حرمته فيه.

كما أثبت حرمة نكاح المشركة، فإنّ حرمة النكّاح قد تثبت بأشياء غريبة غير القرابة، وليس كلامنا فيه، ولا فرق بين ما إذا كان المالك مسلمًا أو كافراً، فكذا لا فرق في عكسه

-أيضاً- بأن يكون المملوك مسلمًا أو كافراً يعتق عليه لعموم العلّة.

فإن قلت: العلّة هي وجوب الصّلة على ما ذكر في الكتاب بقوله: لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي يُفْتَرَضُ وَصْلُهَا وَيَحْرُمُ قَطْعُهَا حَتَّى وَجَبَتْ النَّفَقَةُ، وفي القرابة التي تنازعنا فيها مع الخصوم وهي قرابة الأخوة والعمومة غير واجب الوصل عند اختلاف الدّين بالنّفقة على ما مرّ في النّفقات، فوجوب الوصل بالإعتاق يجري مجرى وجوب الوصل بالنفقة، وهي لا تجب عند اختلاف الدّين في القرابة المتوسطّة، فينبغي على هذا أن لا يجب وصلها بالإعتاق عند اختلاف الدّين كالنّفقة.

قلت: نعم كذلك، إلا أنّ تمام العلّة هنا الملك مع القرابة، وذلك يتحقّق مع اختلاف الدّين، بخلاف استحقاق النفقة، فإن الشرع أوجب ذلك بصفة الوراثة، بقوله تعالى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} (١) معناه وعلى الوارث ذي الرحم المحرّم وبسبب اختلاف الدّين تنعدم صفة الوراثة فلهذا لا تستحق النّفقة.

بخلاف الآباء والأولاد فالاستحقاق هناك بالولاد، قال الله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} (٢) وبسبب اختلاف الدّين لا ينعدم الولاد، كذا في «المبسوط» (٣).

قوله: أَوْ كَافِرًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وإنّما قيّد به؛ لأنّ الحربي لو ملك في دار الحرب ذا رحم محرّم منه لم يعتق؛ لأنّه لو أعتقه لم ينفذ عتقه، فكذا لا يعتق عليه بالملك ولو أعتق الحربي عبدًا حربيًّا في دار الحرب لم يعتق عند أبي حنيفة ومحمّد -رحمهما الله-، خلافاً لأبي يوسف

-رحمه الله-، وكذا إذا أعتق المسلم عبدًا حربيًّا في دار الحرب لا يعتق -أيضاً-، كذا في «الإيضاح» (٤).


(١) سورة البقرة: ٢٣٣.
(٢) سورة البقرة: ٢٣٣.
(٣) المبسوط للسرخسي (٧/ ٧٢).
(٤) ينظر: العناية شرح الهداية (٤/ ٤٥٠).