للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قلت: وبهذا يعلم أن قوله: فِي دَارِ الْإِسْلَامِ في الكتاب متعلّق بمجموع ما ذكر قبله من قوله: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الْمَالِكُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا، لا أن ينحصر تعلّقه بقوله: أَوْ كَافِرًا؛ لأنّ المحرميّة ما تثبت بالقرابة، والأمة أجمعت على أنّ المراد بالمحرم المحرم بسبب القرابة، كذا في «مبسوط شيخ الإسلام» -رحمه الله- (١)، والصبي جعل أهلاً لهذا العتق؛ لأنّ العلة قد تمّت في حقّه -أيضاً- وهي الملك مع القرابة فإنّ الصّغير يملك حقيقة.

ألا ترى أنّه يثبت له صفة الغنى بملكه حتّى يحرم عليه أخذ الصّدقة، كذا في «المبسوط» (٢).

وصف القربة في اللّفظ الأول زيادة وهو قوله: لِوَجْهِ اللَّهِ.

وأمّا التّعليق بالشّرط فإنّه صحيح في الملك بيننا وبين الشافعي بلا خلاف، إلا أن الخلاف فيه -أيضاً- بيننا وبينه بوجه آخر، وهو أنّ زوال الملك عنده يبطل التّعليق، وعندنا لا يبطل، حتّى إذا قال لعبده: أنت حرّ إن دخلت الدّار، فباعه، ثم اشتراه، فدخل الدّار يعتق عندنا.

وعند الشّافعي -رحمه الله- لا يعتق؛ لأنّ الملك عنده كما يشترط لانعقاد اليمين يشترط لبقائها وبالبيع زال ملكه.

ولكنا نقول الملك لم يشترط لانعقاد اليمين، إنّما الشّرط وجود المحلوف به، فلهذا صحّحنا إضافة العتق إلى الملك، والمحلوف به هو العتق، ومحلية العبد للعتق بصفة الرّق، وذلك لا ينعدم بالبيع، إلا أنّه يشترط الملك عند وجود الشّرط ليزول العتق؛ لأنّ تصرّفه يتصل بالمحلّ عند وجود الشّرط.

وأمّا قبل ذلك فبقاء اليمين ببقاء ذمّته وبقاء المحلوف به؛ لكونه محلاً للعتق، فلا معنى لاشتراط الملك فيه، ذكره في باب جامع لوجوه العتاق من «المبسوط» (٣)، وفي «فتاوى قاضي خان» (٤) -رحمه الله- قال: لعبده أن بعتك فأنت حرّ، فباعه بيعًا صحيحًا لا يعتق؛ لأنّه كما حنث زال العبد عن ملكه، فلا يعتق فإن باعه بيعًا فاسدًا، إن سلّمه إلى المشتري أولاً، ثمّ باعه لا يعتق -أيضاً-؛ لأنّه كما تمّ البيع بينهما ملكه المشتري وإن باعه [٣٩٩/ أ] بيعًا فاسدًا، ثمّ سلّمه إلى المشتري عتق؛ لأنّ شرط الحنث قد وجد والعبد باق على ملكه فيعتق.

قلت: وبهذا يعلم أن وجود المعلول عند وجود العلّة أسرع ثبوتًا من وجود المشروط عند وجود الشرط، وهو معنى قولهم العلّة مع المعلول يقترنان وجودًا من غير تراخ.


(١) ينظر: البناية شرح الهداية (٦/ ٢٧).
(٢) المبسوط للسرخسي (٧/ ٧٢).
(٣) المبسوط للسرخسي (٧/ ٨٤).
(٤) ينظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٤/ ٥٨).