للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وأمّا المشروط جامع الشّرط فإنّهما يتعاقبان وجودًا، أي: يوجد الشّرط أولاً ثمّ يوجد المشروط.

وَلَا اسْتِرْقَاقَ عَلَى الْمُسْلِمِ ابْتِدَاءً، قيّد بقوله: ابتداء احترازاً عن الاسترقاق بقاء؛ لأن ذلك بين الأمور الحكمية لا الجزائيّة، فيصحّ بقاء كما يصح بقاء الأملاك بعد وجود أسبابها.

(وَلَوْ أَعْتَقَ الْحَمْلَ خَاصَّةً عَتَقَ دُونَهَا)، أي: يعتق الحمل [خاصة] لا الأمة التي هي أمّه، لأنّا لو قلنا بهذا اللفظ عتق الأمة، لا يخلو إمّا أن يقول: أنّها تعتق مقصودًا، فلا وجه له؛ لأنّه لم يعتقها مقصودًا؛ لأنّه أعتق الحمل لا غير، وأمّا أن يقول تعتق الأم باعتبار تبعية عتق الحمل، ولا وجه له -أيضاً-؛ لأنّه يلزم قلب الموضوع، وهو أن يكون المتبوع تبعًا والتبع متبوعًا، وفي أمّ الولد إنما يثبت استحقاق عتق الأمّ شرعًا لا قياساً.

فإن قلت: لو لم يعتق أمة لجاز بيعها، وقد ذكر في كتاب الهبة من «المبسوط» إذا أعتق ما في بطن أمته ثم وهبها جازت، بخلاف ما لو باعها فإنّه لا يجوز (١).

قلت: الفرق بينهما يجيء في هبة هذا الكتاب إن شاء الله تعالى، وحاصل ذلك هو أنّه لما أعتق ما في بطنها لم يبق الجنين على ملكه، فهبة الأمة بعد ذلك صارت بمنزلة هبة الأمة مع استثناء الحمل، واستثناء الحمل في الهبة شرط فاسد، والهبة لا تبطل بالشّروط الفاسدة، روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أنه أجاز العمرى وأبطل شرط المعمر» (٢).

بخلاف البيع فإنّه يفسد بالشرط الفاسد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أنه نهى عن بيع وشرط» (٣)، وذكر في «المبسوط» وفي البيع لو استثنى ما في البطن قصدًا لم يجز البيع (٤).

وكذلك إذا صار مستثنى حكمًا لتعود العتق فيه وفي الهبة لو استثنى ما في البطن قصدًا لم تبطل الهبة، فكذلك إذا صار مستثنى حكمًا والمعنى ما بيّنا.

وَإِنَّمَا يُعْرَفُ قِيَامُ الْحَبَلِ وَقْتَ الْعِتْقِ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْهُ، أي: من وقت العتق حتّى لو ولدت بعد ذلك لستّة أشهر لا يعتق، وإن ولدت لأقلّ من ستّة أشهر عتق؛ لأنّه أوجب العتق لما هو موجود في بطنها، فإذا ولدت لأقلّ من ستّة أشهر فقد تيقنا بوجود الولد في بطنها وقت اليمين، وإن ولدت واحدًا لأقل منها بيوم وآخر لأكثر منها بيوم عتقا؛ لأنّا تيقنا بوجود الأول في بطنها وقت اليمين حين ولدته لأقلّ من ستة أشهر، وهما توأمان خلقا من ماء واحد، فالحكم بوجود أحدها في البطن في وقت حكم بوجودها، كذا في «المبسوط» (٥).


(١) المبسوط للسرخسي (٧/ ١٩٣).
(٢) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الهبات، باب كراهية تفضيل بعض الأولاد في الهبة (١٦٢٥).
(٣) أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط (٤٣٦١)، وأبي حنيفة في مسنده رواية أبي نعيم (ص ١٦٠)، والبغوي في شرح السنة (٨/ ١٤٧)، وابن القطان في بيان الوهم والإيهام في كتاب الأحكام (٣/ ٥٢٧)، وقال: "وعلته ضعف أبي حنيفة في الحديث".
(٤) المبسوط للسرخسي (١٢/ ٧٢).
(٥) المبسوط للسرخسي (٢٨/ ٨٦).