للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لأنّ المالك له ولاية ضرب عبده فيملك توليته غيره وبهذا التّعليل وقع الاحتراز عمّن (يحلف على ضرب حر فأمر غيره بذلك فضرب المأمور لا يحنث؛ لأنّه لا ولاية له على الحرّ فلا يعتبر أمره فيه، ألا ترى أنّه لا يثبت في حق الضّارب حل الضّرب باعتبار أمره، بخلاف العبد فإنّه مملوك له وعليه ولاية فأمره غيره بضربه معتبر، ألا ترى أنّ الضّارب يستفيد به حل الضرب) كذا في المبسوط (١).

بخلاف ما تقدّم من الطّلاق وغيره كالنكاح فإنّه لا يدين فيه قضاء ولكن يدين ديانة وهذا هو الفرق الذي وعده قبيل هذا بالإشارة إلى الفرق، والفرق هو أن فعل الوكيل في الطّلاق والنكاح وغيرهما مثل فعل الموكّل معنى وإن كان الوكيل فاعلاً صورة والاعتبار للمعنى لا للصّورة.

(ولهذا لو حلف لا يُطَلِّق) فجُنَّ فطلق لا يحنث، وإن كان مطلقاً صورة وإذا كان كذلك كان فِعل الوكيل كفِعل المُوِكَّلِ فكان فعل الوكيل حينئذ من أنواع فعل الطّلاق الذي دخل تحت عموم نفي فعل الطّلاق في قوله لا أطلق، فصار كأنّه قال لا أطلق بنفسي، ولا أمرت غيري بالطّلاق، فلما نوى بقوله لا أطلق أن لا أطلق بنفسي كان ناوياً الخصوص في موضع العموم وهو خلاف الأصل؛ لأنّ الأصل أن يجري العموم على عمومه فلم يصدق قضاء لذلك، أمّا الضّرب فَفِعلٌ حِسِّيٌ بأثره وهو الإيلام، فحقيقته عند أسناده إلى نفسه أن يفعله بنفسه وفعل الغير لا يكون حقيقة فعل نفسه ولا نوعًا من أنواع فعل نفسه بل نسبته فعل الفاعل إلى الأمر باعتبار التّسبيب والتّسبيب طريق من طرق المجاز فلو كان فعل غيره من أنواع فعل نفسه مع كونه مجازاً كان جمعًا بين الحقيقة والمجاز في لفظٍ واحدٍ، وهو لا يجوز فإذا نوى فعل نفسه فقد نوى حقيقة كلامه فَيُصَدَّقُ قضاء لما أنّه لما كان يصدق قضاء إذا نوى حقيقة كلامه وإن كان بعيدًا عن الاستعمال في قوله لا أشرب الماء إذا نوى جميع المياه لمصادفة نيته حقيقة كلامه لأن يصدق قضاء إذا صادفت نيته حقيقة كلامه فيما هو كثير استعمال حقيقته أولى وأحرى.

[٤٤٠/ أ] وذلك لأنّ الحقيقة لما لم تكن مهجورة تصدّق الحالف في نيّة الحقيقة قضاء وديانة، وإن كان في ذلك تخفيف له؛ لأنّ الكلام يصرف إلى حقيقته، فعند قِران النيّة بإرادة حقيقته أولى وذكر الإمام صدر الإسلام -رحمه الله- (٢) الفرق بينهما بأن المأمور في الطّلاق والعتاق رسول الأمر ولسان الرسول لسان المرسل بالإجماع فيكون التطليق بلسانه كالتّطليق بلسان نفسه فيكون ما عناه خلاف الظّاهر وهو متهم فيه فلا يصدّق، أمّا في مسألة الضرب/ فليس فعل المأمور كفعل الآمر لأنّ المأمور ليس رسول الأمر فيه؛ لأنّ الرسالة تجري في الأقوال لا في الأفعال فلما عنى ضرب نفسه فقد عنى حقيقة كلامه فيصدق؛ لأنّ منفعة ضرب الولد عائدة إليه أي إلى الولد؛ لأنّ الولد إنّما يُضرب ليتأدّب ويتعلّم وينزجر عن القبائح وإن كان فيه منفعة للوالد أيضاً؛ فذاك ليس بمقصود وفعل الإنسان إنّما ينتقل إلى غيره بحكم المنفعة فإذا لم يعد إليه المنفعة المقصودة لم ينتقل الفعل إليه، وأمّا العبد فإنّما يضرب لينقَاد له العبد ويأتمر بأوامره، فإذا كانت المنفعة تعود إليه كان ضرب غيره كضربه فيحنث بالأمر إذا ضربه المأمور كذا ذكره الإمام قاضي خان -رحمه الله- (٣).


(١) انظر: المبسوط للسرخسي (٩/ ١١).
(٢) انظر: العناية (٥/ ١٧٣).
(٣) انظر: بدائع الصنائع (٣/ ٨٢).