للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت لما أمكن إيقاع العتق في الحال من وجه بفسخ الخيار لم يؤخر إلى مضي مدة الخيار؛ لأنّ العتق ممّا يحتاط في إثباته ومن الاحتياط تعجيله لا تأخيره، فإن قلت ما الفرق بين هذه المسألة على قول أبي حنيفة -رحمه الله- وهي ما إذا (قال: إن اشتريت هذا العبد فهو حرّ ثم اشتراه شرط هو الخيار يعتق) عند أبي حنيفة -رحمه الله- أيضاً وبين ما إذا اشترى قريبه بشرط الخيار حيث لا يعتق عنده ما لم يسقط الخيار.

قلت: قد ذكر الفرق الإمام قاضي خان -رحمه الله- فقال إن في شرى القريب لم يوجد كلمة الإعتاق بعد الشّرى حتّى يسقط خياره؛ وإنّما يعتق القريب على القريب بحكم الملك وخيار المشتري عند أبي حنيفة -رحمه الله- يمنع ثبوت الملك للمشتري فلا يعتق قبل سقوط الخيار، وأمّا ههنا فالإيجاب المعلَّق صار مُنَجَّزَاً عند الشّرط، وصار قائلاً أنت حرّ فينفسخ الخيار ضرورة لوجود دليل ما يختص بالملك وهذا بخلاف ما لو اشتراه على أنّ البايع بالخيار حيث لا يحنث المشتري، والفرق فيه هو أن المشتري متى كان الخيار له يتمكّن من إسقاطه، ومتى كان الخيار للبايع لا يتمكّن من إسقاطه، ثم إنّما وضع مسألة تعليق العتق بالبيع فيما إذا باعه على أنّه بالخيار؛ لبيان أنّه يعتق بمجرّد البيع؛ فكان هذا احترازًا عمّا لو باعه بيعًا باتًا حيث لا يعتق، وإن وجد البيع كذا ذكر في شروح الجامع الصّغير (١).

وقال الإمام قاضي خان -رحمه الله- (٢): ولو قال إن بعت هذا العبد فهو حرّ فباعه بيعًا باتًا لا يعتق؛ لأنّه كما تمّ البيع زال العبد عن ملكه، والجزاء لا ينزل في غير الملك، قلت: وبهذه المسألة يعرف أن العلّة مع المعلول يقترنان في الوجود، وأمّا الشّرط مع المشروط فإنّهما يتعاقبان في الوجود، حيث يوجد الشّرط أولاً ثم يوجد المشروط؛ فإن البيع ههنا كما هو علّة لثبوت الملك للمشتري فهو شرط أيضاً لثبوت العتق لذلك العبد، فصار المعلول وهو ملك المشتري أسرع ثبوتًا من المشروط الذي هو العتق، حيث وجد ملك المشتري قبل وجود العتق، ثم قال في الجامع الصّغير (٣) ولو باعه بيعًا فاسدًا فإن كان العبد في يد المشتري مضمونًا عليه، بأن كان غصبه لا يعتق كما في البيع الصّحيح الثّابت؛ لأنّه كما تم البيع يزول العبد عن ملكه، وإن كان العبد في يد البائع عتق؛ لأنّه لا يزول ملكه قبل التّسليم، ولو قال إن اشتريته فهو حرّ، فاشتراه شراءً فاسدًا، فإن كان العبد في يد البائع لا يعتق؛ لأنّه ملك البائع بعد البيع فيصير معتقاً ملك الغير، وإن كان العبد في يد المشتري على الوجه الذي ذكرنا يعتق؛ لأنّه صار معتقاً ملك نفسه؛ لأن الشّرط قد تحقق وهو عدم البيع؛ لأنّه كان علق الطّلاق بعدم البيع، فإذا وقع اليأسُ عن البيع لخروجه عن أن يكون محلاً للبيع بالإعتاق والتّدبير تحقق الشرط فتطلق، كما لو مات الحالف أو العبد، فإن قيل هذا الذي ذكره من فوات المَحَلَّيَةُ مُسَلَّمٌ في الإعتاق؛ وأمّا في التّدبير فغير مسلم؛ فإنّه يمكن بيع المدبّر إذا قضى القاضي بجواز بيعه،/ قلنا عند القضاء بجواز بيعه يُفسَخُ التَّدبِيرُ، ويكون البيعُ حينئذٍ بيعَ الْقِنِّ لا بَيعَ المُدَبَّرِ، وَفَوَاتُ الْمَحَلِّيَّةِ؛ إنّما كان باعتبار بقاء التّدبير، وقد قلنا أن بيع المدبّر لا يجوز، فكان الحلُّ فايتًا والحكم لا يُبنَى على ما يظهر عند قضاء القاضي في المجتهدات، إلى هذا أشار الإمام شمس الأئمة السّرخسي -رحمه الله- في الجامع الصّغير (٤).


(١) انظر: الدر المختار (٣/ ٨٢١).
(٢) انظر: تبيين الحقائق (٣/ ١٥٠).
(٣) البحر الرائق (٤/ ٣٨٤).
(٤) انظر: العناية (٥/ ١٧٩).