للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قوله: وضرب الغلام المراد به العبد، وبه صرّح في الجامع الصّغير لقاضي خان -رحمه الله- (١) فقال لو قال إن ضربت لك عبدًا أو ضربت عبدًا لك فهو على ضرب عبد مملوك للمحلوف عليه لمكان العرف؛ ولأن الضرب ممّا لا يملك بالعقد ولا يلزم، ومَحَلُ الضرب يُملَك فانصَرَفَ اللام إلى ما يُملك، ويُؤخر المقدّم، وليس المراد به ضرب الولد لما ذكرنا في تعليل قوله لأنّ المالك له ولاية ضرب عبده وذكر في الفوائد الظهيرية المراد بالغلام الولد (٢).

(فباعه على أنّه بالخيار عتق) لوجود الشّرط وهو البيع؛ فإن قلت: هذا البيعُ غيرُ كافٍ! لما أن هذا بيعٌ ليس فيه إلا ذكر إيجاب وقبول من غير إفادة حكم البيع، لما أن خيار البائع يمنع خروج المبيع عن مُلكه فلو كان هذا كافياً في كونه بيعًا يجب أن يكون النكاح الفاسد أيضاً كافياً في كونه نكاحاً، لما أن فيه الإيجاب والقبول أيضاً من غير إفادة الحكم وليس هو بكافٍ بالاتفاق، حتّى لا يحنث به إذا كان العتق معلّقاً به فما الفرق بينهما؟

قلتُ: قد ذكر الفرق بينهما شيخ الإسلام خواهر زاده (٣) فقال إن جواز البيع باعتبار المالية والمالية ليس فيها/ معنى يَنبُوَ عن قبول حكم الإيجاب والقبول وجواز النكاح باعتبار الإنسانيّة.

[٤٤٠/ ب] ألا ترى أنّه يختص ببني آدم وفيها ما يَنبُو عن قبول حكم الإيجاب والقبول؛ لأنها تقتضي الحريّة والنكاح رق على ما جاء في الحديث فلا يحنث إلا إذا كان صحيحًا كذا في الفوايد الظهيريّة (٤).

يعني لما كان النكاح فاسدًا اعتَضَدَ فَسَادُهُ بما يخالف الدّليل ترجح جانب العدم فصار كأن النكاح لم يوجد أصلاً بخلاف البيع؛ لأنه يوافق الدّليل فكان البيع بيعًا وإن لم يُوجب حكمه بعد أن ورد الإيجاب والقبول في محلّ البيع وهو المال، وهذا على أصلهما ظاهر؛ لأنّ خيار المشتري لا يمنع ثبوت الملك للمشتري عندهما يثبت الملك سابقاً عليه أي على العتق، فإن قلت الفرق ثابت بين التّعليق والتّنجيز ههنا، فإن في التنجيز لو لم ينفسخ الخيار يبطل التنجيز أصلاً وأمّا تعليق العتق بالشّرى ههنا لو لم ينفسخ الخيار في الحال فيقع صحيحًا لثبوت العتق بعد مضي مدّة الخيار، وإذا كان كذلك لم يلزم من صحّة التنجيز صحّة حكم التعليق في الحال بانفساخ الخيار.


(١) انظر: تبيين الحقائق (٣/ ١٤٩).
(٢) والصواب أن المراد بالغلام العبد لأنَّ ضَربَ العَبدِ يَحتَمِلُ النِّيَابَةَ.
انظر: العناية (٥/ ١٧٧).
(٣) شيخ الإسلام المعروف بخواهر زاده هو الإمام أبو بكر محمد بن الحسين بن محمد البخاري الحنفي، المعروف ببكر خواهر زاده، ولفظة (خُوَاهر زاده) تُقال لجماعة من العلماء، كانوا أولاد أخت عالم، وهذا المذكور ابن أخت القاضي أبي ثابت محمد بن أحمد البخاري (ت ٤٣٣ هـ)، كان إمامًا فاضلاً، كبير الشأن، بحرًا في معرفة المذهب، من عظماء ما وراء النهر، له طريقة حسنة معتبرة ومفيدة، جمع فيها من كلّ فنّ، وهي أبسط طرق الأصحاب، وكان يحفظها، له: المبسوط، والمختصر، والتجنيس (ت ٤٨٣ هـ).
انظر: الجواهر المضية (٢/ ١٨٣) و (٣/ ١٤١)، تاج التراجم (ص/ ٢٥٩)، الفوائد البهية (ص/ ٢٧٠).
(٤) انظر: العناية (٥/ ١٧٧).