للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمَّا السابع: فإن ما هو المذكور من الجواب فيه (١) اختيار (٢) بعض المشائخ، ووجهه أن المنع عن التفريق للاحتراز عن الضرر بهما، فلما رضيا بالتفريق لم يبق الضرر فيجوز، وهذا كله مما أشارت إليه تلك الكتب التي عددتها في السؤال حتى لا يدخل فيه محرم غير قريب، كالرضاع والمصاهرة فإنه لو كان أمة وابنها من الرضاع، أو كان صبيًّا وامرأة أبيه يجوز التفريق بينهما.

(ولا قريب غير محرم) (٣)

كأولاد الأعمام، والعمات، والخالات؛ لأن النص ورد على خلاف القياس؛ لأن

القياس يقتضي أن يجوز التفريق؛ لأن المالك يتصرف في ملكه كيف يشاء من الجمع والتفريق، كما لو كان كبيرين، وكما في غير بني آدم.

فإن قلت: هذا الذي ذكره من دعوى خلاف القياس مخالف لما ذكر قبله من المعنى المعقول وهو قوله: ولأن الصغير يستأنس بالصغير وبالكبير إلى آخرهِ (٤)، فلما ورد هذا النص موافقاً للمعنى المعقول كيف يصح الدعوى بعد ذلك أنه مخالف للقياس؟.

قلت: الشارع موصوف بالحكمة، ومن الحكمة هو (٥) أن لا يتناقض حججه،

والعقل حجة شرعية كالنص، فلا بُدَّ أن يكون ورود النص موافقاً للمعنى المعقول، إلا أنا لا (٦) ندرك حقيقة في نص معنى معقول، ولم ندركه من حيث الظاهر الذي هو مسمى بدليل القياس لقصور فهمنا سميناه نصًّا ورد بخلاف القياس، ألا يرى أنا نقول أن حديث القهقهة (٧) في نقض الطهارة ورد مخالفاً للقياس، وإن كان فيه معنى معقول في نقض الطهارة من وجه آخر، وهو أن الصلاة مناجاة الرب، وهو أعلى مقامات العبد، فلمّا صدر منه فعلا هو معصية في مثل هذا المقام ينبئ عن الغفلة جوْزي بمنع مقصوده من المضيّ على الصلاة بتلك الطهارة، فأوجب نقض الطهارة (٨)، وكذلك نقول: إن حديث بقاء الصوم (٩) في أكل الناس ورد بخلاف القياس، وإن كان فيه معنى معقول وهو أن كتاب الله تعالى يوجب فساد الصوم إذا ترك الإتمام مختاراً؛ لأن الله تعالى أمرنا بذلك بقوله: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} (١٠)، والإتمام هو أن لا يترك الصوم مختاراً، وهذا ليس بمختار، بل هو محمول عليه من جانب من له الحق؛ لأنه لا يقدر على أن لا ينسى، فعلى هذا كان بقاء صوم الناسي معقولاً، وكذلك نقول في نص السلم أنه ورد على خلاف القياس وإن كان (١١) شرعه (١٢) لأجل دفع (١٣) الحاجة، وإنه بيع المفاليس، وشرعه لأجل


(١) "فهو" زيادة في (ب).
(٢) "احتراز" في (ب).
(٣) قال في الهداية: "حتى لا يدخل فيه محرم غير قريب" الهداية في شرح بداية المبتدي (٣/ ٩٩٠).
(٤) قال في الهداية: "ولأن الصغير يستأنس بالصغير وبالكبير والكبير يتعاهده، فكان في بيع أحدهما قطع الاستئناس، والمنع من التعاهد وفيه ترك المرحمة على الصغار، وقد أوعد عليه" الهداية في شرح بداية المبتدي (٣/ ٩٩١).
(٥) سقط من (ب).
(٦) "لم" في (ب).
(٧) رواه ابن عمر. قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من ضحك في الصلاة قهقهة فليعد الوضوء والصلاة»، كتاب الوضوء، باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين القبل والدبر، (٣/ ٤٦) رواه ابن عدي في (الكامل) من حديث بقية، حدثنا أبي عمرو بن قيس عن عطاء عن ابن عمر، والأحاديث يفسر بعضها بعضاً. فإن قيل: قال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح؛ فإن بقية من عادته التدليس. ورواه الدارقطني من عدة وجوه، بعدة أسانيد، كلها ساقطة. فتلخص من كلام الأئمة ضعف رفع هذا الحديث (و) صحة وقفه. عمدة القاري شرح صحيح البخاري (٣/ ٤٨)، فيض القدير شرح الجامع الصغير (٦/ ٢٢٥)، البدر المنير (٢/ ٤٠٥).
(٨) جمهور الفقهاء -وهم المالكية، والشافعية، والحنابلة- لا يعتبرون القهقهة من الأحداث مطلقاً، فلا ينتقض الوضوء بها أصلاً ولا يجعلون فيها وضوءاً؛ لأنها لا تنقض الوضوء خارج الصلاة، فلا تنقضه داخلها، ولأنها ليست خارجاً نجساً، بل هي صوت، كالكلام والبكاء. الحاوي الكبير (١/ ٢٠٥)، اختلاف الفقهاء للمروزي (ص: ١١٤)، بداية المجتهد ونهاية المقتصد (١/ ٤٦).
(٩) "على الصلاة بتلك الطهارة" زيادة في (ب).
(١٠) [البقرة: ١٨٧].
(١١) "دفعه" زيادة في (ب).
(١٢) "شرع" في (ب).
(١٣) سقط من (ب).