للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله (١): لأنّه أمكن العمل بالبينتين بتقديم الشراء يعني أن تصحيح البينات والعمل بها واجب مهما أمكن؛ لأنها حجج من حجج الشرع والعمل بحجج الشرع واجب بحسب الإمكان (٢)، وهاهنا يمكن العمل بالبينتين بأن يجعل الشراء سابقاً؛ وذلك لأنّا لو قدّمنا النكاح عليه لم يصحّ الشراء بعد ذلك بل يبطل إذا لم تجزه المرأة ولو قدمنا الشراء يصح العقدان لما أن من تزوج امرأة على دار لغيره صحّ العقد والتسمية جميعًا وإن لم يجز صاحبها حتّى يجب الرجوع إلى قيمتها دون مهر المثل فرجحنا جهة الصحة.

وأمّا جواب أبي يُوسُف عمّا قاله مُحَمَّد فهو أن المقصود من ذكر السّبب ملك العين والنكاح إذا تأخّر لم يوجب ملك المسمّى كما أذا تأخّر الشراء وهما سواء في حق ملك العين، ولأن فيما قاله محمد -رحمه الله- إثبات تاريخ لم يشهد به الشهود والتاريخ بين العقدين لا يثبت من غير حجة كذا في/ المَبْسُوط والْأَسْرَار (٣).

(وفي القياس الهبة أولى) وهو رواية كتاب الشهادات؛ (لأنها تثبت الملك) أي: لأنّ الهبة تثبت ملك العين والرهن لا يثبته فكانت البينة المثبتة لملك العين أكثر إثباتًا فكان أولى (وعقد الضمان أقوى) أي: من عقد التبرع؛ ولأنّ بينة الرهن تثبت بدليلين المرهون والدين والهبة لا تثبت إلا بدلالة واحداً فكانت أكثر إثباتًا فكان أولى فصاحب التاريخ الأقدم ِأولى هذا قول أَبِي حَنِيفَةَ وقول أبي يُوسُف آخراً وبه قال مُحَمَّد -رحمه الله- أولاً فأمّا على قول مُحَمَّد -رحمه الله-آخراً يقضي بينهما ولا يكون للتاريخ عبرة (٤).

وأمّا لو أرّخ أحدهما ولم يؤرّخ الآخر ففي النوادر عن أَبِي حَنِيفَةَ -رحمه الله- (٥) أنه يقضي بينهما لأنّه لا عبرة للتاريخ عنده حالة الانفراد في دعوى الملك المطلق في أصحّ الروايات وعلى قول أبي يُوسُف -رحمه الله- يقضي للذي أرّخ وعلى قول مُحَمَّد -رحمه الله- يقضي للذي لم يؤرخ؛ لأنّه يدّعي أولية الملك كذا في الذَّخِيرَةِ (٦).

وأقاما البينة على تاريخين فالأوّل أولى وفي هذا الحكم لا يتفاوت بين أن يكون بائعها واحداً أو اثنين لما أنّ صاحب التاريخ الأقدم أولى وإنما يتفاوت الحكم بينهما فيما إذا وقت إحدى البينتين ولم توقت الأخرى على ما ذكر بعد هذا بقوله: (بخلاف ما إذا كان البائع واحداً).


(١) هو محمد رحمه الله. يُنْظَر: البحر الرائق (٧/ ٢٤٠).
(٢) يُنْظَر: كشف الأسرار (٤/ ٣٤)، تقويم الأدلة (١/ ٤١٠).
(٣) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (١٧/ ١١١).
(٤) يُنْظَر: المحيط البرهاني (٩/ ٧٦١).
(٥) يُنْظَر: حاشية ابن عابدين (٨/ ١٨).
(٦) يُنْظَر: المحيط البرهاني (٩/ ٧٦١).