للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قلت: ما وجه الفرق لمُحَمَّد -رحمه الله- بين هذا [وهو مسألة الشراء] (١)، وبين مسألة الميراث فإن الخارجين إذا ادّعيا إرثاً من أبويهما وأرّخا وتاريخ أحدهما أقدم فعلى قول مُحَمَّد -رحمه الله- آخراً وهو قول أبي يُوسُف -رحمه الله- أولاً يقضي بينهما فلم يعتبر لسبق التاريخ مُحَمَّد -رحمه الله- في الميراث واعتبره في الشراء (٢).

قلت: الفرق بينهما من حيث أن المشتري حادث يثبت بسبب حادث وهو الشراء وكل واحد من المشتريين يثبت لنفسه ملكًا حادثاً لا تعلُّق له بملك البائع فمن اثبت لنفسه الملك في وقت لا ينازعه فيه أحد كان أولى فأمّا ملك [الوارث] (٣) فهو ليس بملك جديد بل هو عين ما كان ثابتًا للمورث لأن الوراثة خلافه ولا تاريخ في ملك المورثين فاستويا فعن هذا الوجه افترقا كذا في الذَّخِيرَةِ (٤).

(فيصير كأنهما حضرا) (٥) أي: حضر البائعان وادّعيا ثُمَّ يخير كل واحد منهما كما ذكرنا من قبل وهو قوله: (وكل واحد منهما بالخيار إن شاء أخذ نصف العبد/ بنصف الثمن وإن شاء ترك لأنهما اتفقا) أي: في حق البائع الواحد على أنّ الملك لا يُتلقى إلا من جهته وإنما حاجة كل واحد منهما إلى إثبات سبب الانتقال إليه لا إلى إثبات الملك وسبب الملك في حق الذي وقت شهوده [اسبق] (٦) فكان هو بالدّار أولى؛ لأنهم يتلقون الملك من بائعهم وفي بعض النسخ من باعتهم وكلاهما على طريق التغليب؛ لأن البائع واحد من المملكين الأربع فكان المراد منه من مملكيهم وفي بعض النسخ من ملقيهم استدلالاً بلفظ (يتلقون وعنه) أي: وعن مُحَمَّد -رحمه الله- (أنّه لا تقبل بينة ذي اليد رجع إليه) (٧) أي: إلى قوله: الذي لا يقبل بينة ذي اليد في الصّور كلها إلا في النِّتاج.

وفي المَبْسُوط (٨) وذكر ابن سماعة في نوادره (٩) عن مُحَمَّد أنّه رجع عن هذا القول وهو أن بينة ذي اليد إذا كانت أقدم تاريخًا من بينة الخارج كانت أولى بعد انصرافه من الرقة، وقال لا أقبل من ذي اليد بينة على تاريخ ولا عبرة إلا للنتاج (١٠) وما في معناه؛ وهذا لأنّ التاريخ ليس بسبب لأولية الملك بخلاف النِّتاج؛ لأنّ البينتين قامتا على مطلق الملك ولم يتعرضا لجهة الملك وهذا احتراز عما لو قامت البينتان بالتاريخ في الشراء أو إحداهما أسبق تاريخًا من الأخرى فالأسبق أولى سواء كان البائع واحداً أو اثنين؛ لأنه ذكر في المَبْسُوط (١١) ولو ادّعيا الملك بالشراء كل واحد منهما من [رجلين] (١٢) أو من واحد وأرّخا وأحدهما أسبق تاريخًا كان صاحب أسبق التاريخين أولى وبينة ذي اليد على الدفع مقبولة فإنّ من ادّعى على صاحب اليد عينًا وأنكر صاحب اليد لدعواه وأقام البيّنة على أنّه اشتراه تندفع الخصومة وقد مرّ قبل هذا قبول بينة صاحب اليد في أن العين وديعة في يده حتى تندفع عنه دعوى المدّعي عند إقامة البينة ولما قبلت بينة ذي اليد على الدفع صارت هاهنا بينة ذي اليد بذكر التاريخ قبل بينة الخارج متضمنة دفع بينة الخارج على معنى أنّها لا تصح إلا بعد إثبات التلقي من قبله فيقبل لكونها [متضمنة] (١٣) للدفع أو نقول أنّ صاحب أسبق التاريخين أثبت الملك لنفسه في وقت لا ينازعه فيه غيره [فهو أولى خارجًا كان أو صاحب يد وهذا لأنّ يد ذي اليد] (١٤) دلّت على الملك ولكن لا تدلّ على سبق التاريخ فوجب قبول بينته على التاريخ كما وجب قبول بينته على النِّتاج؛ لأنّه إنّما وجب قبول بينته على النِّتاج لكون تاريخه أسبق فكذا هنا إلى هذا أشار في المَبْسُوط والْإِيضَاحِ (١٥).


(١) [ساقط] من (ج).
(٢) يُنْظَر: بدائع الصنائع؛ للكاساني (٦/ ٢٣٨)، تبيين الحقائق؛ للزيلعي (٥/ ٢٦٧).
(٣) في (ج) (المورث).
(٤) يُنْظَر: المحيط البرهاني (٩/ ٧٧٥).
(٥) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٣/ ١٧٠).
(٦) [ساقط] من (أ).
(٧) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٣/ ١٧١).
(٨) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (١٧/ ٤٤).
(٩) مُحَمَّد بن سماعة بن عبدالله بن هلال، أبو عبدالله، التميمي فقيه، محدث، أصولي حافظ. حدث عن الليث ابن سعد وأبي يُوسُف ومُحَمَّد، وأخذ الفقه عنهما. يُنْظَر: تهذيب التهذيب (٩/ ٢٠٤)، الفوائد البهية (ص ١٧٠).
(١٠) يُنْظَر: بدائع الصنائع؛ للكاساني (٦/ ٣٦٩ - ٣٧٠).
(١١) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (١٧/ ٧٩).
(١٢) (رجل) في (أ) و (ج).
(١٣) [ساقط] من (ب) و (ج).
(١٤) [ساقط] من (ج).
(١٥) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (١٧/ ٨٠).