للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ألا ترى أن أفصح العرب النبي - صلى الله عليه وسلم - كيف اعتبر الإشارة في قوله الشهر هكذا وهكذا (١).

وكذلك الذي صمت يومًا أو يومين بعارض أي لا يجوز إقراره بأن أَوْمَأ برأسه أي نعم أو كتب وهو معطوف على ذلك.

فإن كانت المذبوحة أكثر تحرَّى (٢) فيها وأكل؛ وإن كانت (٣) الميتة أكثر أو كانا نصفين لم تؤكل.

فإن قلت ما الفرق بين هذا وبين الثياب فإن المسافر إذا كان معه ثوبان أحدهما نجس والآخر طاهر ولا تميز بينهما وليس معه ثوب غيرهما فإنه يتحرى ويصلي في الذي يقع تحريه أنه طاهر؛ فقد جوز التحري هناك فيما إذا كان الثوب النجس والطاهر نصفين وفي المذكاة والميتة لم يجوِّز.

قلتُ وجه الفرق بينهما أن حكم الثياب أخف من غيرها لأن الثياب لو كانت [كلها] (٤) نجسة كان له أن يصلي في بعضها ثم لا يعيد صلاته لأنه مضطر إلى الصلاة فيها بخلاف المَسَالِيخ (٥) (٦)؛ فالحاصل أنه يتحرى في الثياب بكل حال سواء كانت الغلبة للطاهر أو للنجس أو استويا لما ذكرنا أن حكمها أخف.

ألا ترى أن الرجل إذا لم يكن معه إلا ثوب نجس فإن كانت ثلاثة أرباعه نجسًا وربعه طاهرًا يصلي في ذلك بلا خيار بالإجماع ولا يصلي عريانًا؛ وأما إذا كان أكثر من ثلاثة أرباعه نجسًا أو كان كله نجسًا فعند أبي حنيفة وأبي يوسف: يخير بين الصلاة فيه وبين الصلاة عريانًا قاعدًا بالإيماء لما عرف فلما جازت الصلاة في ثوب نجس فلأن تجوز بالتحري فيه حالة الاشتباه أولى.

وهذا بخلاف الماء الطاهر إذا اختلط بالماء النجس بالأواني؛ وإن كانت الغلبة للطاهر بأن كان معه ثلاثة أوان وفي الكل ماء أحدها نجس والآخران طاهران ولا يعرف الطاهر من غيره فإنه يتحرى ويتوضأ لأن الحكم للغالب وباعتبار الغالب لزمه استعمال الماء الطاهر وإصابته بتحرِّيه مَأمُولَة؛ وإن كانت الغلبة للأواني النجسة أو كانا سواء فليس له أن يتحرَّى عندنا؛ وعلى قول الشافعي: يتحرى ويتوضأ بما يقع تحرِّيه أنه طاهر وهذا ومسألة المَسَاليخ سواء.


(١) أخرجه البخاري في (صحيحه) كتاب الصوم باب قول النبي غ: «إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا»، (٣/ ٢٧ رقم الحديث: ١٩٠٨)، ومسلم في (صحيحه) كتاب الصيام باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال، والفطر لرؤية الهلال، وأنه إذا غم في أوله أو آخره أكملت عدة الشهر ثلاثين يوما، (٢/ ٧٥٩ رقم الحديث: ١٠٨٠).
(٢) في (ب): الذي يجري؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.
(٣) في (ب): أي وإن كانت؛ وما أثبت من (أ) و (ج) هو الصواب.
(٤) ساقطة من (أ)؛ وإثباتها من (ب) و (ج) هو الصواب.
(٥) المساليخ هي: ما ينسلخ من جلد الشاة، انظر: شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم (٥/ ٣١٦٠).
(٦) ينظر: العناية (١٠/ ٥٢٧)، المبسوط (١٠/ ٢٠٠).