للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وحسبي أَن أَكونَ تابعًا لهم في علمِهم وقواعدِهم وهديهم، وداعيًا بدعوتِهم، ولكن أَينَ أَنتَ منهم، وقد خالفتهم في ذلك كلِّه؟ وها هو مثالٌ واحدٌ من عشراتِ الأَمثلةِ؛ تبيّنُ لكلِّ ذي عينٍ أنّك تنهجُ نهجًا خاصًّا في نقدِ الحديثِ، تقلِّدُ فيه أَهلَ البدعِ والأَهواءِ، ثمَّ تبني عليه فقهًا مضطربًا هزيلاً.

وأَمّا اتهامكُ لإِخواننا بالتقليدِ فهو (شِنْشِنَةٌ نعرفها من أَخزم) لجهلك بالفرقِ بين الاتباعِ على بصيرةٍ، والتقليدِ الأعمى (١) ، والمثالُ أَمامَك الآن أَيضًا، فإِذا أَنا بيّنتُ للناسِ هذه السنّةَ الّتي تُنكرها بالأَحاديثِ الصحيحةِ الّتي أَنت تضعفها، ووافقتُ أَئمةَ الحديثِ في تصحيحها، أَفيكونون مقلدين لي أَم متبعين للسنّةِ؟

وليتَ شعري إِذا كانَ هؤلاءِ من المقلدين عندك؛ فماذا تسمي من يغترُّ بشقشقتِك، ويفتتنُ بكثرةِ كلامِك، ويمشي وراءَ سرابِك؟ - ولا بدَّ من وجود أَمثالِ هؤلاءِ المغترِّين من باب (لكلِّ ساقطةٍ في الحيِّ لاقطة) ! وصدقَ الله: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} ، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} .

وختامًا أَقولُ:

إِنَّ تضعيفَ هذا الرَّجلِ لعشراتِ الأَحاديثِ الصحيحةِ -والّتي لا خلافَ في صحتِها لدى المحدثين- من أكبرِ الأدلةِ على أنّه وضعَ لنفسِه قواعدَ غيرَ قواعدِهم، ولذلك تختلفُ أحكامُه عن أَحكامِهم، فالخلافُ بيننا وبينه أُصولي جذري، ليسَ فرعيًّا كما قد يتوهمُ بعضُ طيبي القلوبِ، ولذلك فلا يمكنُ التفاهمُ معه -لو افترضنا فيه الإخلاص- إلاّ بعدَ اتفاقه معنا على القواعدِ والأُصولِ (٢) ، شأنُه في ذلك شأنُ


(١) انظر الفرق بين الاتباع والتقليد من كلام ابن عبد البر في "سلسلة الأَحاديث الضعيفة" (٢/١٨) .
(٢) وهي المعروفةُ في "علم المصطلح".

<<  <  ج: ص:  >  >>