للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يُسمَّى: غُرْفة، وهذه الغُرَفُ مَبنيَّة يَقول عنها: {مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ} يَعنِي: طبَقات قُصور عالية شامِخة، مَبنيَّة من لبِنات من الذهَب والفِضَّة، فلهم جَنَّتان من ذهَب آنيَتُهما وما فيهما، وجَنَّتان من فِضَّة آنيَتُهما وما فيهما، وهذه الغُرَفُ المَبنيَّةُ من الذهَب والفِضَّة أيضًا ليست على ما نُشاهِد في الدنيا من اللَّمَعان والحُسْن الجَذَّاب، بل هي أَشَدُّ وأعظَمُ، فلا يُمكِن أن نَتَصوَّر حُسْن هذه الغُرَفِ، ولا مَوادَّ بِنائِها أبدًا، لأن الله تعالى يَقول: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: ١٧]، ويَقول في الحديث القُدسيِّ: "أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ" (١). وهي ليس فيها شيء ممَّا في الدُّنيا إلَّا الأَسْماء فقط، لكن الحقائِق تَختَلِف اختِلافًا عظيمًا، فهي فيها عِنَب، نَخْل، ورُمَّان، لكن ليس كالمَوجود عِندنا في الدُّنيا، بل هي شيء لا يُمكِن أن يَتصَوَّره الإنسان، فهذه الجَنَّةُ مُعدَّة للمُتَّقين الذين اتَّقَوْا ربهم كما قال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: ١٣٣].

فالعمَل يَسير والعِوَض كثير، فالعمَل يَسير على مَن يَسَّرَه الله تعالى عليه، والله تعالى يُيَسِّره على مَن صدَق النِّيَّة في التَّوجُّه إلى الله تعالى، ولم يَركَن إلى الدنيا، لأن الرُّكون إلى الدُّنيا ولا سيَّما ممَّن أَعطاه الله تعالى العِلْم ذُلٌّ وانحِطاط؛ قال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (١٧٥) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ}، والمَثَل أخَسُّ الأمثال؛ قال تعالى: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ


(١) أخرجه البخاري: كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة، رقم (٣٢٤٤)، ومسلم: كتاب الجنة وصفة نعيمها، رقم (٢٨٢٤)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>