للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: إثبات عُلوِّ الله تعالى، ووجهُه: أنه إذا كان القُرآن كلامه ووصَف القُرآن بأنه مُنزَّل دلَّ على أن المُتكلِّم به عالٍ، وعُلوُّ الله عَزَّ وَجَلَّ يَنقَسِم إلى قِسْمين: عُلوِّ ذات، وعُلوِّ الصِّفة.

فأمَّا عُلوُّ الصِّفة فمُتَّفَقٌ عليه بين أهل السُّنَّة وأهل البِدْعة.

وأمَّا عُلوُّ الذات فمُختَلِفٌ فيه:

فأَهلُ السُّنَّة يُؤمِنون بأن الله تعالى عالٍ فوق خَلْقه بذاته.

وأَهْل التَّعطيل يُنكِرون ذلك، ثُم انقَسَموا إلى قِسْمين:

القِسْم الأوَّل: قالوا: إنه بذاته في كلِّ مَكان، وليس فوقَ السَّمَوات، بل هو فوق السَّمَوات، وفي السَّمَوات وفي الأرض وفي البُيوت وفي المَساجِد وفي الأسواق وفي كل شيء حتى تَوصَّلت الحال في بَعضِهم إلى أن قالوا: إنه حالٌ حتى في الأجسام حتى في البشَر حتى في الكِلاب حتى في الحَمير! والعِياذُ بالله تعالى! وهَؤلاءِ هم حُلولية الجَهْميَّة الذين فتَحوا البابَ لحُلول الاتِّحاد.

القِسْم الثاني: قالوا: إن الله تعالى لا يُوصَف بعُلُوٍّ ولا نُزول، فهو ليس فوقَ العالَم ولا تَحتَه ولا مُتَّصِلًا بالعالم، ولا مُنفَصِلًا عن العالم، ولا داخِلَ العالَم، ولا خارِج العالَم، وهذا تَعطيل محَضٌ؛ ولهذا قال بعضُ العُلماء رَحِمَهُم اللهُ: لو قيل صِفوا لنا العدَم؟ ما وجَدْنا أدَقَّ من هذا الوَصفِ: أن العدَم كلُّ مَن ليس في داخِل العالَم، ولا خارِجه، ولا فوقَ العالَم، ولا تَحتَه، ولا مُتَّصِلًا، ولا مُنفَصِلًا؛ ولهذا قال محُمود بنُ سبكتكين رَحِمَهُ اللهُ لابنِ فَوْرك ما مَعناه: بيِّنَ لنا ربَّك إذا كنتَ تَصِفه بهذا الوَصْفِ؟! فأين الرَّبُّ الذي تَعبُده؟! وصدَق.

<<  <   >  >>