للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: أن مَن يُضِلُّه الله تعالى فلا هاديَ له؛ لقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}، وفي آية أُخرى: {وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ} [الزمر: ٣٧].

فإن قال قائِل: أفلا يُوجِب لنا هذا الحُكْمُ أن نَتَوقَّف عن دَعوة الناس إلى الحَقِّ؛ لأن الله تعالى قال: {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}؟

فالجَوابُ: لا يُوجِب، لكن الفائِدة من ذلك أننا إذا دعَوْنا أحَدًا للحَقِّ ولم يَقبَل فإننا لا نُهلِك أَنفُسنا من أَجْله، بل نَقول: هذا قد قَضَى الله تعالى عليه بالضَّلال، وليس لنا في أَمْره من شَأْن؛ ولهذا نَجِد الله عَزَّ وَجَلَّ يَقول لنبيِّه مُحمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [الشعراء: ٣]، أي مُهلِك نَفْسك ألَّا يَكونوا مُؤمِنين، فلا تُهلِك نَفْسك، وأَنزَل الله تعالى عليه تَسليةً حين دعا عمَّه أبا طالِبٍ ولم يَهتَدِ، فقال تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص: ٥٦].

وحينئذٍ لا يَمنَعنا مثل هذا الحُكمِ أن نَدعوَ إلى الله تعالى، ولكن إذا دعَوْنا إلى الله تعالى ولم نَجِد الناس اهتَدَوْا فإننا لا نُكلِّف أَنفُسنا، ولا نُهلِكها بالهَمِّ والغَمِّ؛ لأن الإنسان إذا نظَر هذه النَّظرةَ سوف تَتَكدَّر عليه دُنياه، بل سَوْف يَضيع عمَله الصالِح؛ لأن الناس ليسوا بمُهتَدين على ما يُريد، فإذا أَتعَب نَفْسه وراءَ الناس، وصار يَلهَث وراءَهم تَعِبَ، فالواجِب عليه أن يَبذُل ما يَجِب عليه، والباقي على الله عَزَّ وَجَلَّ.

وبالنِّسبة لمَن يَدعو الناس والناس لم يَهتَدوا، فعليهم أن يَستَمِرُّوا؛ لأن الله عَزَّ وَجَلَّ قد يُؤخِّر هِدايتهم إلى أجَلٍ مُسمًّى.

وبخُصوص مَن لم يَصِلهم الإسلام فهؤلاءِ كفَّار، لكن لعُذْرهم بعدَم وُصول الرِّسالة إليهم يُكلِّفهم الله تعالى يومَ القيامة بما شاء من أنواع التَّكليف، ثُم إنِ اهتَدَوْا

<<  <   >  >>