للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الجَوابُ: لا يُمكِن أبَدًا، بل سيَسلُك الطريق الآمِن بلا شَكٍّ.

ولو عُرِض عليه عمَلانِ في وظيفة مثَلًا أحَدُ العمَلَيْن شاقٌّ وأُجرَتُه قليلة، والثاني خَفيف وأُجْرته كثيرة، فسيَختار الثانيَ بلا شَكٍّ.

فهذه أدِلَّة مَحسوسة تَدُلُّ على أن الاحتِجاج بالقَدَر على المَعاصي أو على تَرْك الواجِبات احتِجاجٌ باطِل لا يَستَقيم، لا شَرْعًا ولا عَقلًا ولا حِسًّا، فهذا هو مَذهَب أهلِ السُّنَّة والجماعة؛ يَقولون: نحن نَفعَل باختِيارنا، ولكن اختِيارنا نَعلَم أن الله تعالى قدِ اختاره لنا قبل أن نَختاره نحن إلَّا أنه لا حُجَّةَ لنا في أن نَقول: هذا مُختار الله تعالى لنا، فلا نَستَطيع أن نَتخَلَّص منه لأننا حين الفِعْل لم نَعلَم ما قدَّر، ولا يُمكِن لأيِّ إنسان يَدرِي أن الله تعالى قدَّر شيئًا إلَّا بعد الوقوع؛ ولهذا قال الله تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف: ٥]، فجعَلهم السبب في ذلك.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: أنه يَنبَغي للإنسان - وهذه فائِدة مَسلَكية - أن يَلجَأ إلى الله تعالى وحدَه في طلَب الهِداية؛ لقوله تعالى: {يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ}، فأنت لا تَعتَمِد على نَفْسك فتَهلِك، بلِ اعتَمِد على ربِّك، واتَّجِه إليه دائِمًا في سُؤال الهِداية حتى يَهديَك الله تعالى، وكان النبيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وهو الهادِي المَهديُّ - يَستَفتِح ويَقول: "عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمْ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لمِا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ" (١) فهذا وهو النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -! فكَيْف بنا نحن! فعليك أن تَلجَأ إلى ربِّك في طلَب الهِداية، وألَّا تَعتَمِد على نفْسِك، بلِ اعتَمِدْ على الله عَزَّ وَجَلَّ، فإن الله تعالى مَرجِعك.


(١) أخرجه مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، رقم (٧٧٠)، من حديث عائشة - رضي الله عنها -.

<<  <   >  >>