للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {الذُّنُوبَ} هذه صيغة عُموم، وأكَّد هذا العُمومَ بقوله تعالى: {جَمِيعًا}.

وهذه المَغفِرةُ التي أَثبَتَها الله عَزَّ وَجَلَّ شامِلةٌ لكل ذَنْب فيمَن تاب، فكُلُّ مَن تاب تابَ الله تعالى عليه، ألَا تَرَى قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (٦٨) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (٦٩) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [الفرقان: ٦٨ - ٧٠]، فهؤلاء جمَعوا بين الشَّرْك وقَتْل النَّفْس، وهو اعتِداءٌ على النُّفوس، والزِّنا وهو اعتِداءٌ على الأعراض والأَخْلاق، ومع ذلك إذا تابوا تابَ الله تعالى عليهم.

وهذه الآيةُ أَجمَعَ العُلَماء رَحِمَهُم اللهُ على أنها في التائِبين؛ لأن الله تعالى قال: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} ولم يُقيِّد فهي في التائِبين؛ أمَّا غير التائِبين فقد قال الله تعالى فيهم: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: ٤٨]، فغَيْر التائِبين نَجزِم بأن الله تعالى لا يَغفِر الشِّرْك في حَقِّهم، وما دون الشِّرْك تحت المَشيئة إن شاء عَذَّب وإن شاء غفَرَ.

فلِلإِنْسان حالان:

الحالُ الأُولى: التَّوْبة، فحُكْم ذَنْبه حينئذٍ الغُفران مهما عظُم الذَّنْب.

الحالُ الثانية: عدَم التَّوْبة، يَعنِي: بدون التَّوْبة نَقول: الشِّرْك لا يُغفَر قَطْعًا، وما دون الشِّرْك تحت المَشيئة.

ويُستَدَلُّ بالآية التي ذكَرْناها استِشْهادًا: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ

<<  <   >  >>