للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أَلَيْس زيدٌ قائِمًا؟ فقيل: بلى. أي: أنه قائِم، لكن لو قُلت: نعَمْ. لكان المَعنَى: لم يَكُن قائِمًا.

ولهذا يُذكَر عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال في قوله تعالى: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: ١٧٢]: "لو قالوا: نعَمْ. لكَفَروا" (١)؛ لأنهم إذا قالوا: نعَمْ. فالمَعنَى: لستَ برَبِّنا، وهذا كُفْر، فالنَّفيُ المَسبوق بالاستِفْهام يُجاب في الإثبات بـ (بَلَى)، وفي النَّفيِ بـ (نعَمْ)، لكن مع ذلك تَأتِي (نعَمْ) في مَحَلِّ (بَلَى)، لكنه قليل في اللغة العرَبية، قالوا: ومنه قول الشاعِر:

أَلَيْسَ اللَّيْلُ يَجْمَعُ أُمَّ عَمْرٍو ... وَإِيَّانَا فَذَاكَ لنَا تَدَانِ

نَعَمْ وَتَرَى الْهِلَالَ كَمَا أَرَاهُ ... وَيَعْلُوهَا النَّهَارُ كَمَا عَلَانِي (٢)

والبَيْتان مَعروفان؛ فهذا الرجُل يُقرِّر أنه قريب من مَعشوقته؛ لأن الليل يَجمَعهما، فما دام الليلُ يَجمَعهما فكأن الفِراش يَجمَعهما، فقوله:

أَلَيْسَ اللَّيْلُ يَجْمَعُ أُمَّ عَمْرٍو ... وَإِيَّانَا فَذَاكَ لنَا تَدَانِ

هذا دليل على التَّقارُب بَينَنا: أن الليل يَجمَع بَيْننا.

الدليل الثاني: قوله: (وَتَرَى الْهِلَالَ كَمَا أَرَاهُ)، وما دامَت رُؤْيتنا كلُّها تَتَّفِق في رُؤية الهِلال فهذا اجتِماع.

الدليل الثالِثُ: قوله: (يَعْلُوهَا النَّهَارُ كَمَا عَلَانِي)، فما دام النهار يَعلوها كما عَلاني فنَهارُنا واحِد وليلُنا واحِد، وهِلالُنا واحِد، فإننا مُتادَنون (فَذَاكَ لَنَا تَدَانِ)،


(١) ذكره ابن جزي في تفسيره (١/ ٣١٢)، والسمين الحلبي في الدر المصون (١/ ٤٥٦).
(٢) البيتان من شعر جحدر العُكْلي، انظر: الأمالي للقالي (١/ ٢٨٢)، وخزانة الأدب (١١/ ٢٠٩).

<<  <   >  >>