للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: بيان شُمولِ عِلْمِ الله؛ لقوله: {فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} بالذي كنتم تعملون كله صغيره وكبيره، والخطابُ لجميع النَّاس، وهذا يدلُّ على شمول عِلْم الله عَزَّ وَجَلَّ، وهو كذلك؛ فعِلْم الله تعالى واسِعٌ محيطٌ بكلِّ شيءٍ، وقد نبَّه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على بيان كيف كان واسعًا؛ فقال: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: ١٤].

{أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ} يعني: إذا كان الله هو الخالِقَ، وهذا شيءٌ مُقَرٌّ به، لزم أن يكون عالِمًا بما خَلق؛ إذ كيف يُمْكِنُ أن يَخْلُقَ ما لا يعلمه! هذا مستحيلٌ.

أما قوله تعالى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ} فـ {مَنْ} هل هي فاعل أو مفعولٌ؟ يجوز فيها الوجهان: أنْ تكون فاعِلًا، بمعنى: ألَا يعلم مَنْ خلق مَنْ خَلَقَهُ، ويجوز أن تكون مفعولًا به؛ أي: ألَا يعلمُ اللهُ من خَلَقَه، ومعلومٌ أنَّ الخالق والمخلوق بينهما تناسُبٌ؛ فلا خالق إلا بِخَلْق ومَخْلوق، ولا مَخْلوق إلا بخالِقٍ؛ نعم.

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: أنَّ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عالِمٌ بأسرار العبد؛ لقوله: {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}، وقد قال الله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} [ق: ١٦] بل لَيَعْلَمُ ما يُسْتقبَل للمَرْء، والإنسانُ يعلم ما تُوَسْوِسُ به نفسه، لكن لا يعلم ماذا يَكْسِبُ غدًا، والله عَزَّ وَجَلَّ يعلم ماذا يَكْسِبُه العبد غدًا.

الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: الإشارة إلى أنَّ الحسابَ يوم القيامة يكون على ما في الصُّدور؛ لأنَّه لمَّا ذكر الإنباء قال: {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} يعني فالمَرْجِعُ في الحساب إلى ما في القلب، فصحِّحْ ما في قلبك؛ لأنَّ المدارَ عليه، ولهذا شواهِدُ من الآيات ذكرناها أثناء التَّفسير.

<<  <   >  >>