للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثاني ما في حديثِ سعيدِ بنِ المسيِّب أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قضَى في الجنينِ يُقتَلُ في بطنِ أُمِّه بغُرَّةٍ. والمقتولُ في بطنِ أُمِّه لا تطرَحُه إلّا ميّتًا لا محالةَ. فإن لم تُلقِه وماتت وهو في جوفِها لم يخرُجْ، فلا شيءَ فيه ولا حكمَ له، وهذا أيضًا إجماعٌ لا خلافَ فيه. فإن ألقَتْه ميّتًا وهي حيَّةٌ، فالحكمُ فيه ما ثبتت به السُّنَّةُ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، على ما ذُكِر في هذا الحديثِ، غرَّةٌ؛ عبدٌ أو أمةٌ.

وقد كان للغُرَّةِ أصلٌ معروفٌ في الجاهليَّةِ من لم يبلُغْ بشرفِه أن يُودى ديةً كاملةً، قال مُهَلْهِلُ بنُ رَبيعَةَ، واسْمُه عَديّ - وإنَّما قيل له: مُهَلهِلٌ؛ لأنّه أولُ من أرَقَّ الشِّعرَ وقصَّدَه فيما ذكروا - قال في قتلِ أخيه كُلَيْبِ بنِ ربيعة (١):

كُلُّ قتيلٍ في كُلَيْبٍ غُرَّهْ ... حتى ينالَ القتلُ آلَ مُرَّهْ

يعني مُرَّةَ بنَ ذُهْلِ (٢) بنِ شيبَانَ بنِ ثعلبةَ، وكان جَسَّاسُ بنُ مُرَّةَ قتَل كُليبَ بنَ ربيعةَ التَّغلِبي.

واختلَف العلماءُ في الغُرَّةِ وقيمتِها؛ فقال مالكٌ: الغُرَّةُ تُقوَّمُ بخمسين دينارًا، أو ستِّ مئةِ درهم؛ نصفِ عُشرِ ديةِ الحرِّ المسلم الذَّكر، وعُشرِ ديةِ أمِّه الحرةِ (٣). وهو قولُ ابنِ شهابٍ، وربيعةَ، وسائرِ أهلِ المدينةِ (٤).


(١) الرَّجز في العين للخليل بن أحمد الفراهيدي ٤/ ٣٤٧، وفي جمهرة اللغة لابن دريد ١/ ١٢٤، وفي تهذيب اللغة للأزهري ٨/ ١٥، ومقاييس اللغة لابن فارس ٤/ ٣٨١، وفي الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني ٥/ ٥٢، وهو عند بعضهم غير منسوب.
(٢) المدوَّنة ٤/ ٦٣٢ - ٦٣٣.
(٣) ينظر: الأوسط لابن المنذر ٧/ ٤٨٤، ومختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٥/ ١٧٥، والمغني لابن قدامة ٨/ ٤٠٨.
(٤) ينظر: الأصل المعروف بالمبسوط لمحمد بن الحسن الشيباني ٤/ ٤٥٨، والأوسط لابن المنذر ٧/ ٤٨٤، ومختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٥/ ١٧٥، والمبسوط للسرخسي ٢٦/ ٨٤.
وأثر الشعبيّ أخرجه ابن أبي شيبة في المصنّف (٢٧٨٥٠)، وأبو داود (٤٥٨٠) من طريقين عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>