للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(وكذا اللمسُ والقُبلةُ)؛ (١) لأنهُ مِنْ دَواعيهِ فيحُرُم عليهِ إلى آخرِه (٢)، وشرحُ هذا ما ذُكِرَ في «الإيضاح» (٣) فقالَ: فَرْقٌ بينَ هذا وبينِ الصَّوْم فإنْ التِقبيلَ، والمسَّ لا يحرمُ بالصَّوْم، ويحرمُ بالاعتكاف (٤)؛ ِ لِأَنَّ الجِماعَ ليسَ بحرامٍ في بابِ الصَّوْم؛ لِأَنَّ الصَّوْم عَبِادةُ، والكُفُّ عن الجِمَاعِ رُكْنٌ فيهِ، ورُكْنُ العبادةِ/ يجبُ أنْ يكونَ بالكفِّ عن الفعلِ الحلالِ والحُرَمةُ إنما تثُبتَ لِفَواتِ الرَّكْنِ فإذاُ بِقيَ الفِعْلُ حلالًا في نفسهِ، والحُرمَةُ لغيرهِ، وهو ضرورةُ وجُوبِ الكَفِّ عن الجِمَاعِ لم يتعدَّ الحرُمةَ (٥)، إلى القُبلةِ والملُامسةِ إِلاَّ إذا خافَ الوقُوعَ في الجِمَاعِ، وفي بابِ الِاعْتِكَافِ الرُكْنُ هو اللبثَ في المسجِد لا الكفُّ عن الجِمَاعِ، فكان الجِمَاعُ من محظوراتِ اللبثِ، والدليلُ عليهِ: أنْ ثبتَ بالنهي، وموجِبُ النَّهيِ الحرُمةَ فبَعُدَتْ الحُرمةُ إلى التقبيلِ، واللَّمْسِ؛ لأنهُ مِن تَوابِعِ المحظورِ كما في الإحرامِ، وحاصِلُ هذا الكلامُ راجِعٌ إلى ما أشرنا إليهِ في الوافي في فصلِ حُكُمِ الأثر (٦)، والمنهي في ضدِّ ما نُسِبَ إليهِ، وهو أن حُرمةَ الوطئِ أينما تثُبتُ بالنهي تعدَّتْ الحرمَة إلى دَواعيِ الوَطْئ ِ، كحرُمَةِ الوطْئِ في حقِّ المُحرِمِ، والمعتكفِ، ويشتري الجاريةَ فَإنَّ الحرمةَ تثبتُ في هذه المواضعِ بقولهِ تعالى: {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ} (٧)، ويُقال: ولا {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} (٨)، وقوله -عليه الصلاة والسلام-: «أّلاَّ تُوطَأُ الحُبالى حتى يضعْنَ حمَلهُنَّ، ولا الحُبالى حتى يستبرِئْنَ بحيضة» (٩)، وإنما تثبتُ حُرمُة الوْطئِ بالأمرِ لا يتعدَّى الحُرمَة إلى دَواعيهِ، كما في حالةِ الحيضِ، وحالةِ الصَّوْم، فإنَّ الحُرمَة فيهما تثبتُ بقولهِ تعالى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} (١٠)، وقالَ: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} (١١) بعدَ ذِكْرِ المفطراتِ الثلاثِ، أي: كُفُّوا عن هذهِ الجُملةِ، ثُمَّ المعنى الدَّاعِي إلى الفرقِ هو أنَّ الحُرمةَ حُكْمٌ خاصٌ للنهي؛ لأنهُ لتحريمِ الفِعْلِ، والمنعُ عنهُ فكانتْ الحُرمةُ مقصودةً فيهِ فبعُدَتْ إلى دواعِيها لِقُوةِ زِيادَةِ الاهتمامِ فيها، وأمّا الحُرمةُ في الأمرِ إنما تثبتُ بسببِ النَّهي الثابتِ في ضِمْنِ الأمْرِ، فكانَ تحققُ تلك الحُرمةِ منْ ضَرورةِ أنْ لا يفوتَ المأموُر بهِ، فلم تكنْ الحُرمةُ فيهِ مقصودةً فلم يتعدَّ إلى دَواعيهِ لانعدامِ زيادةِ القُوةِ في الحُرمةِ (١٢).


(١) يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (١/ ٤٢).
(٢) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (٢/ ٣٩٨، ٣٩٩).
(٣) يُنْظَر: المَبْسُوط (٣/ ٢٢٢)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (٢/ ١١٥).
(٤) يُنْظَر: بَدَائِعُ الصَّنَائع (٢/ ١١٥)، الاختيار لتعليل المختار (١/ ١٤٧).
(٥) يُنْظَر: الجوهرة النيرة (١/ ١٤٦).
(٦) يُنْظَر: الْمُحِيط الْبُرْهَاني (٢/ ٦٧٦).
(٧) سورة البقرة الآية (١٩٧).
(٨) سورة البقرة الآية (١٨٧).
(٩) أخرجه أبي داود في النكاح في باب في وطء السبايا (١/ ٢٩٣)، والحاكم في مستدركه في النكاح (٢/ ١٩٥). والْبَيْهَقِي في السنن الكبرى (١٨٧٦٧ - ٩/ ١٢٥) وابن أبي شيبة في مصنفه (١٧٧٥١ - ٤/ ٣٧٠) قال الحاكم حديث صحيح، على شرط مسلم، ولم يخرجاه، وأعله ابن القطان في كتابه بشريك، وقال: إنه مدلس، وهو ممن ساء حفظه بالقضاء.
(١٠) سورة البقرة الآية (٢٢٢).
(١١) سورة البقرة الآية (١٨٧).
(١٢) يُنْظَر: الجوهرة النيرة (١/ ١٤٦).