للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قولُه -رحمه الله-: بخلافِ الصَّوْم؛ لِأَنَّ الكَفَّ رُكْنُهُ لا محظورةً، أي: لِأَنَّ الكَفَّ رُكْنُ الصَّوْم لا محَظورَ الصَّوْم، فإنْ قلتَ: في هذا اللفظِ اشتباهٌ فإنهُ إنما ذَكَرَ قولُه: لا محظورةَ للفرقِ بينَ الصَّوْم، وبينَ الِاعْتِكَافِ فحينئذٍ يجبُ أنْ يكونَ الكّفُّ عن الوطْئِ، ودَواعيهِ محظورُ الاعتكافِ (١)، وليسَ كذلكَ، بلْ الوطُئ، ودواعيهِ محظورُ الِاعْتِكَافِ لا الكفَّ عنهُ (٢).

قلتُ: معنى قولِه: لِأَنَّ الكفَّ رُكْنَهُ لا محظوَرهُ، أيْ: لِأَنَّ الكَفَّ إنّما وَجَبَ في الصَّوْم لتحقيقِ رُكْنِيَةِ الكفِّ لا للاحترازِ عنهُ المحظورِ بخلافِ الاعتكافِ، فإنَّ وجُوبَ الكّفِّ هناك للاحترازِ عن مَحظورِ الِاعْتِكَافِ لا لتحقيقِ رُكْنِ الاعتكافِ، فإنّ جْامَعَ ليلًا، أو نهارًا عامِدًا أو ناسِيًا بطلَ اعتكافُهُ سواءً أنزل أو لم ينزل (٣)؛ لقولهِ تعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} (٤)، فصارَ الجِمَاعُ بهذا النصِّ محظورُ الِاعْتِكَافِ فكان مُفسدًا له بُكلِ حالٍ كالجِماعِ في الإحرام، وذَكَر ابنُ سمَاعة روايةً عن أصحابِنا (٥): أنهُ إذا كانَ ناسِيًا لا يفسدُ اعتكافُهُ بهِ فإنَّ الِاعْتِكَافَ فَرْعٌ علىِ الصَّوْم، والفرعُ مُلْحَقٌ بهِ الأصلُ في حُكْمِهِ، وإذا أَكَلَ المعتكِفُ نهارًا ناسِيًا شيئًا لم يضْرهُ؛ لِأَنَّ حرُمةَ الأَكْلِ لا حِلَّ الصَّوْم لا لِأَجْلِ الِاعْتِكَافِ حتى اختصَّ بوقْتِ الصَّوْم (٦)، والأَكل ناسِيًا لا يفسِدُ الصَّوْم بخلافِ ما إذا جَامَعَ ناسِيًا فحرمةَ الجِمُاع لِأجْل الِاعْتِكَافِ حتى يدومَ الليلُ، والنهارُ جميعًا، وقد بيّنا أنّ ما كانتْ حرمتُه لِأَجلِ الِاعْتِكَافِ يستوي فيهِ الناسِي، والعامِدُ بالقياسِ على الإحرامِ، ومعنى الفرقِ أنهُ متى اقترن بحالهِ ما يذكُرَه لا يُبلى بالنسيان فيه عادةً، وإذا لم يقترنْ بحالهِ ما يذكُرُهُ يُبتلى فيهِ بالنسيانِ عادةً فيُعذَرُ لِأَجْلِهِ ففي الإحرامِ هيئةُ المحرمينِ مُذَكِرَةً لهُ وفي الِاعْتِكَافِ كونُهُ في المسجدِ مُذَكِرٌ لهُ وأمّا في الصَّوْم فلم يقترنْ بحالهِ ما يُذَكِرَهُ؛ لأنّهُ غيرُ ممنوعٍ عن التصُّرفِ في الطَّعامِ في حالةِ الصَّوْم ألا ترى أنّ في الأَكْلِ في الصَّلَاةِ سوِى بينَ النسيانِ، والعَمْد؛ لأنهُ اقترنَ بحالةٍ ما يُذَكِرَهُ، وفي السلامِ فصلٌ بينَ النسيانِ، والعمْدِ؛ لِأَنَّهُ من جنسِ أذكار الصَّلَاةِ، كذا في «المَبْسُوط» (٧). (ولو جامعَ فيما دُونَ الفَرْجِ فأنزلَ أو قَبَّلَ أو لَمَسَ يَبْطُلُ اعَتكافُهُ) (٨).


(١) يُنْظَر: المَبْسُوط (٣/ ٢١١)، تَبْيِينُ الْحَقَائِق (١/ ٣٤٨).
(٢) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة (٢/ ٣٩٩).
(٣) يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق (١/ ٣٥٢)، الاختيار لتعليل المختار (١/ ١٤٧).
(٤) سورة البقرة الآية (١٨٧).
(٥) يُنْظَر: المَبْسُوط (٣/ ٢٢٢).
(٦) يُنْظَر: حاشية ابن عابدين (٢/ ٤٥٠).
(٧) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (٣/ ٢٢٧).
(٨) يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (١/ ٤٢).