للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولزفر-رحمه الله- وجه آخر فيه وهو أن يقول لما ثبت مدّة الرضاع بحولين ونصف كما قال أبو حنيفة -رحمه الله- فلابدّ من الزّيادة عليها بشيء لأنّ الصّبي لا يتعود أكل الطّعام بعد الفطام بمرّة واحدة فاعتبرت تلك الزّيادة بأقل مدة الحمل وهو ستّة أشهر وتعيين ذلك للمعنى يجيء فلذلك كانت ثلاث سنين لهما قوله تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ} (١) الآية والأوجه التمسّك لهما ما ذكرفي الْمَبْسُوطِ (٢) لقوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} (٣) ولا زيادة بعد التمام والكمال لما أنّ هذه الآية نصّ في بيان مدّة الرضاع لأنّ سوق الآية له وما ذكر في الكتاب ظاهر لأنّ سوق الآية لإثبات منه الوالدة منه الوالدة على الولد فالتمسّك بالنص الذي سيق لإثبات المدعى أولى وقال الله تعالى: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} (٤) ولا رضاع بعد الفصال. وله هذه الآية وهي قوله تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} (٥) كالأجل المضروب للدينين كما إذا قال لفلان علي ألف درهم وخمسة أقفزة حنطة إلى شهرين يكون الشّهران أجل كلّ واحدة من الدّينين بطريق الكمال إلا أنّه قام المنقص في أحدهما أي في حقّ الحمل والمنقص حديث عائشة -رضي الله عنها- وهو ما قالت: (الولد لا يبقى في بطن أمّه أكثر من سنتين ولو بفلكه مغزل) (٦).

فإن قلت: في النقيص معنى التغيير والزيادة على النص فلا يصحّ تغير موجب الكتاب بخبر الواحد كما لا يصح تخصيصه ابتداء بخبر الواحد لما فيه من نوع تغيير.

قلت: نعم كذلك إلا أنّ الكتاب مؤول والآية المؤولة في إثبات الحكم مثل القياس.

وإنّما قلنا ذلك لأنّ فخر الإسلام -رحمه الله- جعل الأجل المضروب للمدتين متوزعًا عليهما.

وكذلك عامة أهل التّفسير فكان هو مخالفاً لما ذكر ههنا فقال وفيه إشارة إلى أن أقلّ مدة الحمل ستّة أشهر إذا رفعت مدّة الرضاع ذكره في أوائل أصول الفقه.


(١) سورة الأحقاف من الآية: ١٥.
(٢) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٥/ ١٣٤).
(٣) سورة البقرة من الآية: ٢٣٣.
(٤) سورة لقمان من الآية: ١٤.
(٥) سورة الأحقاف من الآية: ١٥.
(٦) الأثر عن عائشة: "الولد لا يبقى في بطن أمه أكثر من سنتين … ". أخرجه الدارقطني (٣/ ٣٢٢)، والبيهقي (٧/ ٤٤٣) بلفظ: "ما تزيد المرأة في الحمل على سنتين قدر ما يتحول ظل عود المغزل .... ". وينظر نصب الراية (٣/ ٢٦٥). ولم نجد الرواية الأخرى، ولم نر من تكلم على إسناده.