للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وكذا في التّيسير والكشّاف (١) وغيرهما روي أن رجلاً تزوّج امرأة فولدت لستة أشهر فجيء بها إلى عثمان -رضي الله عنه- فشاور في رحمها، فقال ابن عبّاس -رضي الله عنه- (٢): إن خاصمتكم بكتاب الله تعالى خصمتكم قالوا: كيف قال أنّ الله تعالى يقول: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} (٣) وقال تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} (٤) فحملها ستّة أشهر وفصاله حولين وتركها كذا في التّيسير فقدرت بأدنى مدّة الحمل وهي ستّة أشهر؛ لأنّ تلك المدة مدّة تغير الغذاء، فإنّ الولد يبقى في البطن ستّة أشهر ويتغدّى بغذاء الأم، ثم ينفصل فيصير أصلاً في الغذاء فثبت أنّ مدّة تغيّر الغداء ستة أشهر كذا في الإيضاح والمحيط (٥)، والحديث محمول على مدّة الاستحقاق وإنّما أبهم الاستحقاق لأنّ بعضهم قالوا المراد من قوله -عليه السلام-: «لَا رَضَاعَ بَعْدَ حَوْلَيْنِ» (٦) أي لا يستحق الولد الرضاع بعد الحولين وقال بعضهم المراد من الحديث نفي استحقاق الآجرة وقال في المحيط (٧) وكثير من المشائخ قالوا أن مدّة الرضاع في حق استحقاق الأجر على الأب مقدّرة بحولين عند الكلّ حتى لا تستحق المطلقة أجرة الرضاع بعد الحولين بالإجماع ويستحق في الحولين بالإجماع وذكر في الأسرار.

وأمّا الحديث فليس فيه بيان الحكم وعينه غير مراد لأنّ الرّضاع عينه بعد الحولين مما يوجد فلئن جاز لهما الحمل على حكم الحرمة جاز لنا أن نحمل على حكم الوجوب وإذا مضت مدّة الرضاع لم يتعلّق بالرضاع تحريم سواء فطم أو لم يفطم وقال بعض النّاس الكبير والصّغير سواء في حكم الرضاع.

واحتجوا بظاهر النّصوص وتقول عائشة -رضي الله عنها- (٨) حتى كان إذا أراد أن يدخل عليها أحد من الرجال امرت أختها أم كلثوم أو بعض بنات أختها أن ترضعه خمساً ثم كان يدخل عليها إلا أن غيرها من نساء رسول الله -عليه السلام- كنّ يأبين ذلك ويقلن لا يرى هذا من رسول الله إلا رخصة لسهلة خاصة حيث قال لها رسول الله -عليه السلام-: «أَرْضِعِي سَالِمًا خَمْسًا تَحْرُمِينَ بِهَا عَلَيْهِ» (٩)، ولكنّا نقول انتسخ هذا الحكم بقول رسول الله -عليه السلام-: «الرَّضَاعُ مَا أَنْبَتَ اللَّحْمَ وَأَنْشَزَ الْعَظْمَ» (١٠)، وذلك في الكبير لا يحصل والصّحابة اتفقوا على هذا ولأنّ الرضيع في اللغة اسم للصّغير دون الكبير لأنّه سمّى به لتربيه باللبّن لا لوجود الفعل.


(١) يُنْظَر: الكشاف (٣/ ٥٢١).
(٢) رواه عبدالرزاق في مصنفه (٧/ ٣٧١).
(٣) سورة الأحقاف من الآية: ١٥.
(٤) سورة البقرة من الآية: ٢٣٣.
(٥) يُنْظَر: المحيط (٣/ ٧٠).
(٦) رواه الدار قطني (٥/ ٣٠٦)، البيهقي (٧/ ٧٥٥) بلفظ: "لا رَضَاعَ بَعْدَ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ". قال ابن حجر: إِسْنَادُه صَحِيحٌ. يُنْظَر: نصب الراية (٣/ ٢١٨)، البدر المنير (٨/ ٢٧٢)، إتحاف المهرة (٧/ ٣٨٤).
(٧) يُنْظَر: المحيط البرهاني (٣/ ٧٠).
(٨) رواه أبو داود كتاب النكاح باب فيمن حرم به برقم (٢٠٦١)، مالك في الموطأ (٢/ ٦٠٣)، عبدالرزاق في مصنفه (٧/ ٤٥٩)، ابن أبي شيبة (٣/ ٥٤٨)، البيهقي (٧/ ٧٥٦).
(٩) رواه مسلم كتاب الرضاعة باب رضاعة الكبير (٢/ ١٠٧٦) برقم (١٤٥٣) دون العدد بلفظ: عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ سَالِمًا، مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ كَانَ مَعَ أَبِي حُذَيْفَةَ وَأَهْلِهِ فِي بَيْتِهِمْ، فَأَتَتْ - تَعْنِي ابْنَةَ سُهَيْلٍ - النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَتْ: إِنَّ سَالِمًا قَدْ بَلَغَ مَا يَبْلُغُ الرِّجَالُ. وَعَقَلَ مَا عَقَلُوا. وَإِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْنَا. وَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّ فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا. فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- «أَرْضِعِيهِ تَحْرُمِي عَلَيْهِ، وَيَذْهَبِ الَّذِي فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ» فَرَجَعَتْ فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ أَرْضَعْتُهُ. فَذَهَبَ الَّذِي فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ. وفي مسند أحمد برقم (٢٥٩١٣) (٤٣/ ٨٦) بلفظ: "أَرْضِعِي سَالِمًا تَحْرُمِي عَلَيْهِ".
(١٠) سبق تخريجه (ص ٣٠٦).