للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وأمّا صورة تعلّقه بهما فبأن يجتمع الصبي والصبيّة الأجنبيان في ثدي امرأة أجنبية وللصبية أم أخرى من الرضاعة فإنّه يجوز لذلك الصّبي أن يتزوّج أم أخته التي كانت الأم من الرضاعة التي انفردت بها رضيعًا.

وذكر في المحيط (١) قال أصحابنا -رحمه الله- وما يتعلّق به التّحريم في النّسب يتعلّق به في الرضاع إلا في مسألتين أحديهما أنّه لا يجوز للرجل أن يتزوّج أم أخته من النّسب ويجوز في الرضاع وإنّما كان كذلك لأنّ في النّسب إن كانا أخوين لأمّ وأمّ الأخ أمة وإن كانا أخوين لأب فأمّ الأخ امرأة أبيه وهذا المعنى معدوم في الرّضاع والمسألة الثّانية فإنّه لا يجوز للرجل أن يتزوّج أخت ابنه من النّسب ويجوز في الرضاع وإنّما كان كذلك لأن أخت ابنه من النّسب إن كانت منه فهي ابنته وإن لم يكن منه فهي ربيبة وهذا المعنى لا يتأتى في الرضاع حتّى أن في النّسب لو لم يوجد أحد هذين المعنيين فإنّه يجوز إن كانت جارية بين شريكين جاءت بولد فادعياه حتّى ثبت النسب فيهما ولكلّ واحد منهما ابنة من امرأة أخرى جاز لكلّ واحد من الموليين أن يتزوّج بابنة شريكه وإن كان كلّ واحد من الموليين متزوّجًا بأخت أبنه من النّسب وفي غيرها بين المسألتين فحكم الرضاع وحكم النّسب سواء.

قوله: ولا يجوز ذلك من النّسب (٢)، وقد ذكرنا صورة ما يجوز ذلك من النّسب على ما ذكرنا من الجارية المشتركة فعلم بذلك أنّه غير مجرى على إطلاقه لما روينا إشارة إلى قوله يحرم من الرضاع ما يحرم من النّسب لإسقاط اعتبار التبني فإن حليلة الابن المتبنى كان حراماً في الجاهليّة.

فإن قيل: لم لا يجوز أن يكون لإسقاط حليلة ابن الرضاع أو لإسقاطهما فما وجه ترجيح جانب حليلة الابن المتبنى في الإسقاط.

قلنا: حرمة حليلة ابن الرضاع ثابتة بالحديث المشهور وهو قوله -عليه السلام-: «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» (٣) فحملناه على حليلة الابن المتبنى لكيلا يلزم التّدافع بين موجب الكتاب والسنّة المشهورة ولبن الفحل هذا من قبيل إضافة الشّيء إلى سببه؛ لأنّ سبب اللّبن إنّما هو الفحل على ما ذكر في آخر هذه المسألة فأقيمت للأسباب في باب الحرمات مقام المسبّب كما أقيم المسّ بشهوة مقام [الوطئ] (٤) وحرمة المصاهرة «لِيَلِجْ عَلَيْكِ أَفْلَحُ، فَإِنَّهُ عَمُّكِ مِنْ الرَّضَاعَةِ»، فإنّ عائشة -رضي الله عنها- ارتضعت من امرأة قُعَيْس وكان اسم أخ قعيس أفلح فلما كانت تلك المرأة أمًا لها [كان زوجها أباً لها] (٥)، وأخو الزّوج عمًا لا محالة فإنّ عائشة قالت يا رسول الله: «إنَّ أَفْلَحَ بن أَبِي قُعَيْسٍ يَدْخُلُ عَلَيَّ وَأَنَّا فِي ثِيَابٍ فَضْلٍ فَقَالَ: لِيَلِجْ عَلَيْكِ أَفْلَحُ، فَإِنَّهُ عَمُّكِ مِنْ الرَّضَاعَةِ، فَقُلْتُ: إنَّمَا أَرْضَعَتْنِي الْمَرْأَةُ لَا الرَّجُلُ قال: فلِيَلِج علَيْك فَإِنَّهُ عَمُّك» (٦)، والعمّ من الرضاعة لا يكون إلا باعتبار لبن الفحل كذا في الْمَبْسُوطِ (٧) ولأنّه سبب لنزول اللّبن منها فيضاف إليه في موضع الحرمة احتياطاً.


(١) يُنْظَر: المحيط البرهاني (٣/ ٦٨).
(٢) يُنْظَر: بداية المبتدي (١/ ٦٧).
(٣) سبق تخريجه (ص ٧٥).
(٤) وفي (ب): (الولد).
(٥) ساقط من ب).
(٦) رواه البخاري في كتاب باب (٧/ ٣٨) برقم (٥٢٣٩) بلفظ: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّهَا قَالَتْ: جَاءَ عَمِّي مِنَ الرَّضَاعَةِ، فَاسْتَأْذَنَ عَلَيَّ فَأَبَيْتُ أَنْ آذَنَ لَهُ، حَتَّى أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: «إِنَّهُ عَمُّكِ، فَأْذَنِي لَهُ» قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا أَرْضَعَتْنِي المَرْأَةُ، وَلَمْ يُرْضِعْنِي الرَّجُلُ، قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّهُ عَمُّكِ، فَلْيَلِجْ عَلَيْكِ» قَالَتْ عَائِشَةُ: وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ ضُرِبَ عَلَيْنَا الحِجَابُ، قَالَتْ عَائِشَةُ: «يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ الوِلَادَةِ»، مسلم كتاب الرضاعة باب تحريم الرضاعة من ماء الفحل (٢/ ١٠٧٠) برقم (١٤٤٥). يُنْظَر: نصب الراية (٣/ ٢٢٠)، الدراية (٢/ ٦٨).
(٧) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٥/ ١٣٢).