للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فإن قيل: إن اعتبرت جهة الحكم لم تثبت به حرمة الرضاع وإن اعتبرت الحقيقة تثبت لأنّ اللبن موجود حقيقة وإن قل فعند التعارض ترجح الحرمة احتياطاً.

قلت: التعارض لم يثبت لأنّ التعارض عبارة عن تقابل الحجّتين على السّواء.

وههنا لم تثبت المساواة بينهما لما أنّ للغالب فضلاً ذاتياً وللمغلوب فضلاً حالياً وهو جهة الحرمة فكان الترجيح لمعنى راجع إلى الذّات لا لمعنى راجع إلى الحال.

فإن قيل: يشكل هذا بما إذا وقعت قطرة من الدّم أو الخمر في جبّ من ماء نجسة وإن كان الماء غالباً حقيقة.

قلنا: الماء لما لم يكن غالباً حكما بأن كان عشراً في عشر فهو في حكم القلّة فلمّا كان الماء أقلّ من عشر في عشر كان قليلاً والنّجاسة أيضاً قليلة فتعارضا فترجح جانب النّجاسة لظهور أوان التّرجيح بمعنى راجع إلى الحال وهو الحرمة عملاً بالاحتياط بخلاف اللبن فإنّه لم يرد التقدير فيه فيعتبر جانب الحقيقة لانعدام التّعارض لما ذكرنا أنّ الرّجحان بالذّات سابق على الرجحان بالحال هكذا نقل من فوائد مولانا الإمام حميد الدّين الضّرير (١) -رحمه الله- كما في اليمين وهو أنّه لو حلف لا يشرب اللّبن فشرب لبنًا مخلوطًا بالماء والماء غالب على اللّبن لا يحنث ولأَبِي حَنِيفَةَ -رحمه الله- أنّ الطّعام أصل إلى آخره ولأنّ إلقاء الطّعام في اللّبن يغيره. ألا ترى أنه بِرِقِّ به وربّما يتغيّر به لونه فكان بمنزلة ما لو غيّرته النّار.

قوله: -رحمه الله- هو الصّحيح احتراز عن قول بعضهم في قول أَبِي حَنِيفَةَ -رحمه الله- فقالوا هذا عنده إذا كان لا يتقاطر اللّبن من الطّعام عند حمل اللّقمة فأمّا إذا كان يتقاطر منه اللّبن تثبت به الحرمة عنده لأن القطرة من اللّبن إذا دخلت حلق الصّبي كانت كافية لإثبات الحرمة والأصحّ أنّه لا تثبت على كلّ حال عنده لأن التغذي كان بالطّعام دون اللّبن كذا في الْمَبْسُوطِ (٢) يتعلّق التحريم بهما لإنّ الشيء يتكثر بجنسه ولا يصير مستهلكًا به وأصل المسألة في الأيمان وهو ما إذا حلف لا يشرب من لبن هذه البقرة فخلط لبنها بلبن بقرة أخرى فشربه فهو على الخلاف الذي بيّنا فأوجر الصّبي تعلّق به التّحريم خلافاً للشّافعي (٣) الوجور الدواء الذي يصب في وسط الفم يقال أوجرته ووجرته وهذا الخلاف بيننا وبين الشّافعي -رحمه الله- بناء على أصلين:


(١) حميد الدّين الضّرير: هو علي بن مُحَمَّد بن علي، حميد الدّين الضَّرِير الرامشي، البخاري، الإِمَام الْمَشْهُور الْمَذْكُور بحميد الْملَّة وَالدّين. له تصانيف، منها "الفوائد" الحاشية على الهداية في الفقه، مات سنة (٦٦٦ هـ)
يُنْظَر: الجواهر المضية (٢/ ٣٦٩)، تاج التراجم (١/ ٢١٥).
(٢) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٥/ ١٤٠).
(٣) يُنْظَر: روضة الطالبين (١١/ ٣٥).