للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أحدهما أنّ اللّبن لا يموت عندنا لأنّه لا حياة فيه.

ألا ترى أنّه يحلب في حالة الحياة من الحيوان فيكون ظاهراً وما فيه الحياة إذا بان من الحيّ يكون ميتًا فإذا لم يكن في اللّبن حياة لا يتنجس بالموت بل عند أَبِي حَنِيفَةَ -رحمه الله- يبقى طاهراً وعندهما ينجس بنجاسته الوعاء كما في أنفجة الميت فكأنه حلب لبن امرأة في قارورة نجسة فأوجر به صبي فتثبت به الحرمة.

وعند الشّافعي-رحمه الله- اللّبن يموت فيكون نجس العين وثبوت حرمة الرضاع باعتبار معنى الكرامة فلا يثبت بما هو نجس العين (١).

والثّاني أن عنده الفعل الذي هو حرام لعينه وهو الزنى لا يوجب حرمة المصاهرة لأنّ ثبوتها بطريق الكرامة فكذلك إيجار لبن الميتة حرام فلا تثبت به الحرمة ثمّ قاس لبن الميتة بوطئ الميتة ولكن عندنا الفعل وإن كان حراماً يثبت به الحرمة إذا تحقق فيه المعنى الموجب للحرمة ولهذا أثبتنا الحرمة بالزنا لأنّ معنى البعضية لا ينعدم به حقيقة فكذلك ههنا ثبوت الحرمة باعتبار أنّ اللّبن يغذي الصّبي فيتقوى به ولو سلّمنا له حرمة اللّبن بالموت فبالحرمة لا يخرج من أن يكون مغذياً.

ألا ترى أنّ لحم الميتة مغذ، فكذلك لبنها وبه فارق وطئ الميتة لأنّ معنى البعضية ينعدم منه أصلاً وشبه اللّبن بالبيضة فإن بالموت لا يخرج البيضة من أن تكون مغذية.

فكذلك اللّبن كذا في الْمَبْسُوطِ (٢)، وهذه الحرمة تظهر في الميتة دفنًا وتتميماً هذا جواب عن حرف الخصم وهو قوله بالموت لم يبق محلاً بها يعني لا تظهر فائدة حرمة الرضاع في حقّ الميتة وهي الأصل فكذلك لم يثبت لهذا الإيجار حرمة الرضاع فأجاب عنه بهذا وقال بل بقيت في حقّ الميتة أيضاً فائدة وهي في حقّ دفن هذه الميتة وتتميمها بأن كان لهذه المرضعة التي أوجر لبن هذه الميتة في فمها زوج فإن لهذا الزّوج يجوز أن يدفن ويتمم الميتة لما أنّ زوج الصّغيرة هذه صار محرمًا لها بالصّهرية بسبب هذا الإيجار لأنّ الميتة تكون أم المرأة وإذا احتقن الصبي باللّبن صوابه حقن لا احتقن.

يقال حقن المريض داواه [بالحقنة] (٣)، وهي دواء يجعل في خريطة من أدم يقال له المحقنة و قولهم: احتقن الصبي بلبن أمّه بعيد واحتقن بالضم غير جائز.

وإنّما الصّواب حُقِنَ أي عولج بالحقنة كذا في المغرب (٤) ولكن ذكرفي (تاج المصادر) (٥) الاحتقان حقنة كردن فجعله متعدّياً فعلى هذا يجوز استعماله على البناء للمفعول وهو الأكثر في استعمال الفقهاء لأنّه ليس بلبن على التّحقيق ثم تسميته لبنًا بقوله وإذا نزل للرّجل لبن لتصوّره بصورة اللّبن كما يقال دم السّمك مع أنّه ليس بدم على التحقيق لتصوره بصورة الدّم وهذا لأنّ اللّبن إنّما يتصور ممّن يتصوّر منه الولادة فلا يتصوّر الولادة من الرجل فلذلك لم يتصوّر نزول اللّبن منه على التّحقيق.


(١) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٥/ ١٣٩).
(٢) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٥/ ١٤٠).
(٣) وفي (ب): (بالحقيقة).
(٤) يُنْظَر: المغرب (١/ ١٢٤).
(٥) تاج المصادر في اللغة: لأبي جعفر: أحمد بن علي المعروف: بجعفرك المقري البيهقي المتوفى: سنة أربع وأربعين وخمسمائة، وهو مجلد أوله: (الحمد لله رب العالمين حمدا يفوق حمد الشاكرين … الخ). جمع فيه: مصادر القرآن ومصادر الأحاديث وجردها عن: الأمثال والأشعار وأتبعها: الأفعال التي تكثر في دواوين العرب، يُنْظَر: كشف الضنون (١/ ٢٦٩).